كتابات خاصة

من ذاكرة اجتياح “إب”

محمد المقبلي

من بين أقسى تفاصيل الاجتياح الحوثي للمدن اليمنية أنك لا تستطيع دخول مدينتك؛ مدينة إب لأنك ضمن المطلوبين لابي طاووس من صعدة، وليس ضمن السلالة التي تهيمن على اليمن بقوة السلاح!! الحلقة الاولى: إلى روح الطفل اسامة بدير في ذكرى اغتياله
 تخطر في بالي النظرة النهارية التي  القيتها في رمضان صنعاء لحظة تشييع الشهيد القشيبي،  كان ذلك في ميدان السبيعن تناولت وجبة العشاء في بيت محمود ياسين.
 كنت حينها أنا ومأرب الورد وعبد اللطيف ياسين، وحينها مر علي الضبيبي وسمير جبران تقريباً إلى بيت محمود بعد العشاء في رمضان.
قال لي علي الضبيبي: كيف تشوف الأحداث؟
قلت: له لقد بدأت مرحلة الاجتياح يا علي. الفارق أن خيول وجمال الهادي وابن حمزة في القرن الثالث الهجري وما تلاه من اجتياح، تحولت إلى شاصات وعلينا الاستعداد لهذا الاجيتاح الذي سيبدأ بجبل ظين في عمران، ولن يتوقف إلا في جبل حديد في عدن.
قال الواقع تغير. قلت له: على صعيد الوسائل تغير، أنا معك، فسيف الوشاح حميد الدين تحول إلى لغم أبو علي الحاكم ..
أما على صعيد التفكير وهو المنتح الرئيس للسلوك فلا يزل كتاب الأحكام لعبد الله ابن حمزة والألغام الفكرية في الكتب المكدسة في خزاين الهاشمية السياسية من القرن الثالث هي الحاضر الابزر، بغض النظر عن الموسيقي الأغاني وطابور الصباح والكتب والانتخابات التي خضناها أو حتى تحية العلم الجمهوري وطابور الصباح الجمهوري الذي وقفنا فيه جنبا إلى جنب مع عيال بني هاشم.
 غير أن الصورة التي كانت تخطر في بالي وبالك للطير الجمهوري مع كل نغمة نشيد كانت تحضر صورة مماثلة لها في المخيال الذهني السلالي على هيئة قاقوق!
بالنسبة لزميلنا ابن الشامي الذي سيتحول إلى مشرف، بينما نحن سنتحول إلى منزوعي المواطنة مختطفين أو ضمن المطلوبين أمنياً لأبي كرار ..
لا استذكر جميع التفاصيل عن الاجتياح، لكني اعتبرت ذلك اليوم الأخير في صنعاء الفاصل بين مرحلة ومرحلة..
اتجهت في اليوم التالي إلى فرزة صنعاء إب في بيجو متوسطة الموديل، وكالمعتاد فتح أغاني الطيف المسافر لأبوبكر سالم، وأول اغنية كانت يامروح بلادك وهو الشعور الأول في حياتي الوعية أن صنعاء لم تعد بلادي.
مرت علي أشهر في القرية في منطقة كانت تعرف قديماً بقلب يحصب، ويحصب ابن رعين ابن يشجب هو الاسم التاريخي الممتد من الإمبراطورية الحميرية، أما جغرافياً فهو اسم يطلق على مديرية القفر ويريم بحسب المرويات التاريخية.
 ..
بعد عيد الأضحى مباشرة من المصادفة أني كنت في مدينة يريم، وكنت شاهد عيان حاضر وفاعل لليوم الأول لاجياح إب، وخصوصاً في اللحظة الأولى لدخول المليشيا أول مديرية في محافظة إب وهي مدينة يريم، وهناك حصل الاشتباك الأول مع الشاصات القادمة من أعلى نقيل يسلح .
بعد أن تجمعت حملة عسكرية على منزل شخصية اجتماعية اسمه “علي مسعد بدير”، وهو جد الشهيد الطفل أسامة تعرض لحملة عسكرية متكاملة على  منزله وهو وحيد بلا اسناد إلا من اخوته وأبناء اخوته وبعض أهالي المنطقة والأحرار منهم.
كان الطفل أسامة من منطقتي وأعرفه وأعرف تفاصيل اسرته، ورأيت بعيني جسدة المرمي على قارعة الطريق لساعات دون أن يتمكن أحد من انتشاله، وكان عناصرمن المليشيا يروعون الناس أنه مفخخ وأن سماعة هاتفه التي في ذنه من أسلاك الحزام الناسف!!
 ..
تركوه مرمياً ولم يسمحوا لأحد بانتشاله والرواية الحقيقية لمقتل الطفل أسامة التي ما زلت أعيش صدمتها إلى اللحظة هي أن أحد عناصر المليشيا ساله: من أنت؟ فأجاب ببراءة طفل: أنا حفيد علي مسعد بدير. أطلق القاتل النار من مسافة قريبة جداً وكانت آثار الرصاص على جسده توحي أن إطلاق النار تم من منطقة قريبة ..
بعد يوم كامل من بقاء جثة أسامة بدير مرمية على الأرض، جاءت أم الطفل من منطقة ريفية تبعد عن المدينة بحوالي 22 كم، يقول كثير من شهود العيان إنهم شاهدوها حافية القدمين؛ تقدمت نحو طفلها ومدت ذراعيها بينما كان يروعها أنصار المليشيا أنه سينفجر فيها، لكنها ضمته إلى صدرها. ذهبت تمشي على الاسفلت ومعها يمشي حزن عميق بثقل كوكب المشتري، لم يكن في جسده سوى آثار الرصاص وسماعة الهاتف بعد أن تم نهب هاتفه الصغير ..
لا استطيع سرد تفاصيل اجتياح إب في هذه الذكرى الأليمة، وخصوصاً ذكرى اغتيال الطفل أسامة بدير الذي ما يزال حاضراً في ذاكرة كل الذين عاشوا تلك اللحظات، ومثّلت لهم صدمة فارقة من الصعب مغادرتها ضمن ذاكرة الاجتياح.
 ولكن من بين أقسى تفاصيل الاجتياح أنك لا تستطيع دخول مدينتك؛ مدينة إب لأنك ضمن المطلوبين لابي طاووس من صعدة!!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى