الحوثي وإسرائيل: هل يدفع اليمن الثمن؟
يتوعد قادة الكيان الإسرائيلي بتحويل محافظتي صنعاء والحديدة إلى مناطق مُدمرة على غرار غزة ولبنان، ردا على الهجمات الصاروخية التي ينفذها الحوثيون، مما يعزز المخاوف من دخول اليمن في مرحلة جديدة من الصراع قد تكون لها عواقب كارثية على الشعب والبنية التحتية.
يستدعي هذا التصعيد الخطير، اتخاذ موقف واضح وحاسم من الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، كما يفرض على الحوثيين إعادة تقييم خياراتهم لتجنب تبعات لا تُحتمل والتفكير بالأولويات الداخلية وفي مقدمتها السلام.
توضح تجارب غزة ولبنان أن الكيان لا يتورع عن استهداف المدنيين والبنية التحتية، مستقويا بدعم أمريكي غير محدود. ومع تعقد المشهد الجيوسياسي وتراجع النفوذ الإيراني في المنطقة، تتوسع أهداف الكيان الإسرائيلي لتشمل إعادة تشكيل “خريطة الشرق الأوسط” بما يتجاوز المواجهة مع محور إيران، ما يضاعف المخاطر على اليمن.
ورغم خطورة الوضع، يواصل الحوثيون هجماتهم الصاروخية، دونما تفكير في تداعياتها السلبية المتزايدة على اليمن، فضلا عن عدم تقييم جدواها بالنسبة لفلسطين، خاصة وأن عملياتهم لم تكن مؤثرة لجهة تخفيف الضغط العسكري على غزة، وفقا لتقييم الخبراء.
يتوجب على الحوثيين أن يطرحوا على أنفسهم بعض الأسئلة المهمة: هل غيرت هجماتهم الوضع العسكري في غزة؟ هل يمكن لمثل هذه العمليات أن تُبرر الكلفة الباهظة التي قد يتحملها الشعب اليمني؟ هل الأولوية يجب أن تكون لدعم المقاومة الفلسطينية أم لتجنب تدمير اليمن بالكامل خاصة بعد تهديدات قيادة الكيان بشن هجمات واسعة لتدمير المدن؟
تكمن المشكلة الحقيقية في أن الحوثيين يتعاملون مع عملياتهم العسكرية دون تقييم واقعي، معتمدين على استشهادات غير دقيقة. على سبيل المثال، يأخذون مواقف المقاومة الفلسطينية لإثبات جدوى عملياتهم، متجاهلين أن هذه المواقف غالبا تأتي تعبيرا عن شعور بالخذلان أو الحاجة للدعم ولو كان رمزيا.
وعندما تُوجه إليهم الانتقادات، يردون بالقول: “هل نصدقكم أم نصدق أهل الأرض؟”، في محاولة لإضفاء شرعية على أفعالهم، رغم أن هذا المنطق يفتقر إلى الأساس القوي، لأن تأييد المقاومة لأي جهة غالبا ما يكون مجرد تقدير معنوي، وليس دليلا على تأثير ملموس.
من أبرز التبريرات التي يرّوجها الحوثيون لإثبات قدرتهم على مواجهة قوى كبرى مثل أمريكا وبريطانيا وإسرائيل، ادعاؤهم أنهم صمدوا أمام تحالف عسكري واسع، مع أن غالبية الدول المشاركة في التحالف العربي، اقتصرت مشاركتها على ضربات جوية محدودة. علاوة على ذلك، فإن استمرار الحوثيين في صنعاء يعود بالأساس إلى حسابات التحالف وسوء إدارته ومعه قيادة الشرعية، وليس لقوتهم الذاتية.
إن افتراض الحوثيين إمكانية هزيمة أمريكا وإسرائيل يعكس الاستهتار وعدم الشعور بالمسؤولية تجاه بلدهم، إذ أنه لا مجال للمقارنة بين القدرات العسكرية، كما أن حلفائهم الأقوياء مثل حزب الله هُزموا أو على الأقل تم إضعافهم بشكل كبير. ومع ذلك، ينبغي الاعتراف أن المقاربة العسكرية الأمريكية البريطانية في التعامل مع الحوثيين ردا على هجماتهم ضد الملاحة قد تغذي شعورهم بالثقة الزائدة.
بالإضافة إلى ذلك، يُظِهر الحوثيون لامبالاة كبيرة تجاه احتمالات العدوان الإسرائيلي على اليمن، فمثلا يقولون إن البلد مدمر جراء الحرب مما يعني -وفق منطقهم- أن أي اعتداء إضافي يُعتبر تحصيل حاصل، وهذا الطرح يعكس رؤية ضيقة تتجاهل التداعيات الكارثية التي قد تلحق بالبلاد في حال تصعيد المواجهة.
على الحوثيين أن يدركوا أن الاحتجاج بالواجب الديني يفرض عليهم مسؤولية مضاعفة تجاه حماية وطنهم أولا. إذا كان تدخلهم “لأجل غزة” لم يُحدث فرقا ملموسا في الواقع الفلسطيني، بل بدأ يرتد سلبا على اليمن، فهل من المنطقي المضي قدما في هذا الخيار؟ أم أن الأجدر بهم التراجع، حفاظا على بلدهم وتجنيبه المزيد من الدمار؟
أما الحجة التي يسوقها الحوثيون بأن هجماتهم تعبّر عن إرادة الشعب اليمني فهي غير دقيقة. الكثير من المشاركين في تجمعاتهم يدعمون القضية الفلسطينية ولا يعني بالضرورة أنهم يوافقون على خياراتهم السياسية أو العسكرية، ناهيك عن أن القرارات المصيرية مثل القيام بعمل عسكري خارجي يجب أن تُتخذ من خلال سلطة شرعية تمثل الشعب، وهو ما يفتقر إليه الحوثيون حاليا.
إن مما ينبغي أن يدركه الحوثيون أن الأسئلة التي تُطرح حول جدوى عملياتهم لا تعني رفض دعم الفلسطينيين ولا أن أصحابها أصبحوا “صهاينة” كما يحلو لهم تسميتهم، بل تهدف إلى تقييم نتائج التدخل، إذا لم تُحقق تلك الهجمات أي تغيير إيجابي في الواقع الفلسطيني، فهل من الحكمة أن تستمر على حساب بلد لا يزال يرزح تحت وطأة الحرب وتداعياتها؟
وبناء على ما سبق، يُمكن تلخيص الدوافع الحوثية في استمرار التصعيد في النقاط التالية:
- السعي للحصول على اعتراف دولي بحكمهم من خلال توجيه ضربات تؤثر على المصالح الإقليمية والدولية.
- تعزيز الشعبية السياسية عبر استغلال القضية الفلسطينية لتحقيق مكاسب محلية وإقليمية.
- يعتمد الحوثيون على استراتيجية الاستهداف الخارجي للحكم، فقد أظهرت الأحداث بعد الهدنة مع التحالف العربي بقيادة السعودية، عجزهم عن استخدام “شمّاعة العدوان” لتبرير سياساتهم القمعية داخليا، ولذلك، جاءت حرب غزة لتكون فرصة لإنقاذهم من استياء الشعب، وهو ما أشار إليه أحد قياداتهم. لقد استثمروا هذه الفرصة في تجنيد الأفراد وإخراج الناس أسبوعيا للتظاهر، حيث عملوا على تقديم هذه الحشود كدليل على دعم شعبيتهم، في حين أنهم يخرجونهم تحت شعار دعم فلسطين.
- عقب حرب غزة، وجدت إيران نفسها في مأزق يتعلق بشعار “وحدة الساحات”، فشجعت الحوثيين على المشاركة لتخفيف الإحراج، إذ كانت تدرك أن مساهمتهم ستكون غير فعّالة بالنظر إلى البعد الجغرافي وقدرة الكيان الإسرائيلي على التصدي للطائرات والصواريخ.
إن هذه التطورات، تفرض على الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا مسؤولية كبيرة من خلال توضيح موقفها للمجتمع الدولي بأن تهديدات الكيان الإسرائيلي تمثل انتهاكا للقانون الدولي، والعمل على حشد الدعم لاستعادة السيطرة على البلاد، بالإضافة إلى تقديم نفسها كصاحبة القرار في أي مواجهة مع الحوثيين، ودحض أي مزاعم تبرر التصعيد الإسرائيلي.
يجب على الحوثيين التخلي عن المغامرات العسكرية التي تجر اليمن إلى صراعات لا تنتهِ وأن يساهموا بنفس حماستهم الحربية في عملية السلام. وبالمثل، يجب على الحكومة القيام بواجبها في استعادة السلطة ومغادرة مربع الرهان على الخارج، وصولا لتحقيق السلام العادل للجميع.