المونيتور الأمريكية: الحرب تجهز على منظومة التعليم في اليمن
نشرت صحيفة المونيتور الأمريكية تقريراً عن منظومة التعليم في اليمن مع بدء العام الدراسي الجديد مشيرةً إلى أن الحرب أجهزت على ما تبقى من منظومة التعليم في البلاد التي تعصف بها الحرب منذ عامين.
يمن مونيتور/ صنعاء/ متابعة خاصة:
نشرت صحيفة المونيتور الأمريكية تقريراً عن منظومة التعليم في اليمن مع بدء العام الدراسي الجديد مشيرةً إلى أن الحرب أجهزت على ما تبقى من منظومة التعليم في البلاد التي تعصف بها الحرب منذ عامين.
وقالت الصحيفة: “قبل تمّوز/يوليو 2013، كانت مدرسة الفتح تقدّم تعليماً ابتدائيّاً في منطقة ريفيّة في محافظة البيضاء الواقعة إلى الشرق من العاصمة صنعاء. لكن بعد هذا التاريخ، أصبحت مدرسة الفتح في منطقة المناسح، معلماً شاخصاً يشير إلى العقبة الجديدة التي اعترضت التعليم اليمنيّ، الذي يعاني جملة من الصعوبات أصلاً. ففي مطلع تمّوز/يوليو 2013، احتلّ مسلّحون من تنظيم القاعدة هذه المدرسة وحوّلوها إلى مركز أمنيّ لإدارة قضايا السكّان بعدما سيطر التنظيم على أجزاء كبيرة من محافظة البيضاء. وفي الثاني من مايو 2015 كانت المدرسة على موعد مع الانتقال إلى قوّة مسلّحة أخرى، بعدما سيطرت جماعة الحوثيّين على صنعاء في 21 أيلول/سبتمبر 2014، وأرسلت مسلّحيها إلى البيضاء لخوض قتال ضدّ مقاتلي القاعدة ورجال القبائل المناهضين للجماعة. وبالفعل، سيطر المسلّحون الحوثيّون على المدرسة وحوّلوها إلى مركز أمنيّ ومقرّ يعسكرون فيه. وحتى بدء العام الدراسي الحالي، مازال الحوثيون يستخدمون المدرسة”.
لأنّ اللعبة أكبر من أن يدركها وعيه الطريّ، فقد فاجأ طالب في سنته التعليميّة الأولى مدرّسه الذي روى لـ”المونيتور” الحادثة، مفضّلاً عدم ذكر اسمه.
وقال المدرّس: “في صبيحة يوم ما من عام 2016، وبينما كنت أقف في واجهة المدرسة، اقترب منّي أحد طلّابي ويبلغ من العمر 7 سنوات، أمسك بيدي وقال: “هل تستطيع إخراج المسلّحين من المدرسة، أريد أن أعود إلى مدرستي”. حينها، شعرت بالعجز والحزن أكثر من أيّ وقت مضى”.
إنّ هذه المدرسة هي تجسيد مصغّر لمعظم مدارس اليمن التي تحوّلت بسبب الصراع المسلّح في اليمن، إلى مبانٍ محتلّة، مدمّرة، ومهجورة من الطلّاب.
ألفي مدرسة خارج نطاق الخدمة
قال مدير الإعلام في مركز الدراسات والإعلام التربويّ في صنعاء طاهر الشلفي لـ”المونيتور” إنّ أكثر من ألفي مدرسة من أصل 16 ألف، في عموم اليمن أصبحت خارج نطاق الخدمة لأسباب عدّة أبرزها التدمير الذي تعرّضت إليه بفعل الغارات الجويّة التي يشنّها التحالف العربيّ بقيادة السعوديّة، وكذلك بسبب الحرب الداخليّة بين المسلحين الحوثيين مسنودين بقوات عسكرية موالية للرئيس السابق علي عبدالله صالح من جهة، وقوات عسكرية مسنودة بمقاومة شعبية موالية للرئيس عبدربه منصور هادي.
وأضاف الشلفي: “بناء على تقرير ميدانيّ نفذّناه في مركز الدراسات والإعلام التربويّ، فإنّ 1.3 ملايين من أصل 6 ملايين طالب ، وطالبه حرموا من مواصلة التعليم في العام الماضي، 2015 ــ 2016 بمعدّل طالب من بين كلّ خمسة طلّاب، بنسبة 22%، و40% من المعلّمين فقط تمكّنوا من مزاولة عملهم”
وقال معمّر الفهد، وهو أحد المعلّمين في مدرسة الشهيد الهندوانة في صنعاء لـ”المونيتور”: “لقد انحدر التعليم خلال العامين الماضيين إلى مستويات لا توصف، إنّها الفترة الأسوأ في تاريخ اليمن الحديث”.
وأضاف: “صار على وليّ أمر الطالب أن يشتري الكتب المدرسيّة من البائعين في الشوارع بأسعار تصل إلى ٤٠٠ ريال (دولار ونصف للكتاب الواحد)بينما كان من المفترض ان توفر وزارة التربية والتعليم الكتاب المدرسي مجاناً لكافة الطلاب. لقد أثرّت الضائقة المعيشيّة على أداء المعلّمين والعاملين في مجال التعليم. يحضر المعلّم إلى المدرسة وباله مشغول بحال أسرته ومتطلّباتها، والأمر سيكون أسوأ مع عجز الدولة عن دفع الرواتب”.
وأثّرت الأزمة الاقتصاديّة، إلى جانب قرار الرئيس عبدربّه منصور هادي المعترف به دوليّاً بنقل مقرّ البنك المركزيّ اليمنيّ من العاصمة صنعاء إلى عدن، على وضع موظّفي الدولة في شكل رئيسيّ، حيث باتوا عالقين بين شرعيّة ضبابيّة، وسلطة أمر واقع عاجزة عن سداد الرواتب.
الأزمة الاقتصادية
وتضيف الصحيفة الأمريكية: “وكان البنك الخاضع لسيطرة الحوثيين في صنعاء يقوم بتوفير المخصّصات المالية اللازمة لدفع رواتب الموظّفين العموميين والعسكريين لكن بعد قرار النقل مر شهر سبتمبر دون ان يتحصل الموظفين على رواتبهم رغم تعهد رئيس الوزراء التابع للرئيس هادي بتسليمها من عدن، فيما انتقدت جماعة الحوثيين قرار نقل البنك، لتلتزم بعد ذلك الصمت حيال المطالبات بتوفير الرواتب”.
قال صالح السلامي، وهو أب لسبعة أطفال يدرسون في بلدة ريفيّة في محافظة ريمه في شمال اليمن “لـ”المونيتور” إنّ المستقبل سيكون أسوأ من الماضي في ظلّ هذه الفوضى.
وأضاف: “في الماضي، كان أبنائي يحصلون على ثلاث حصص دراسيّة في اليوم، ولكن حاليّاً المدارس مهملة، لا سيّما في الأرياف، وبعضها محتلّ من قبل المقاومة التابعة إلى الرئيس هادي، وأخرى في يدّ الحوثيّين. أعرف طلّاباً غادروا من أجل العمل، ومنهم من التحق بجماعات مسلّحة للقتال، وبقي البعض محتار بين مواصلة التعليم، أو البحث عن عمل بعدما فقد الكثير من أولياء الأمور أعمالهم”.
وتأثّر التعليم الخاصّ بالحرب الدائرة في البلد وتدهور الاقتصاد، حيث شهدت المدارس الخاصّة هجرة كثيفة خلال العام الدراسيّ الماضي.
60 ألف طالب غادروا المدارس الخاصة
قال مصدر في وزارة التربية والتعليم -قطاع التعليم الخاصّ-، فضل عدم ذكر اسمه لـ”المونيتور”: “في العام الدراسيّ 2015/2016، غادر 60 ألف طالب المدارس الخاصّة إلى المدارس الحكوميّة، من أصل 300 ألف طالب”.
وأضاف: “قرابة 200 مدرسة خاصّة أغلقت أبوابها، من أصل 1050 مدرسة”.
وتوقّع انحسار التعليم الخاصّ في شكل أكبر في العام الدراسيّ الجاري قائلاً: اتوقع ان تكون نسبة الطلاب الذين سيغادرون المدارس الخاصة الى الحكومية بسبب تدهور الوضع المادي اعلى من الأعوام السابقة، وحدهم أبناء العائلات الميسورة يحافظون على مقاعدهم في المدارس الخاصة لأنهم يمتلكون المال.”
وحصدت محافظتا تعز وحجة على أكبر نسبة من تدهور التعليم، حيث توقّف التعليم تماماً في مديريّتي عبس وحرض الحدوديّيتين مع السعوديّة. وأضاف المصدر أنّ طيران التحالف قصف كلّ المدارس الحكوميّة والخاصّة، وتوقّف التعليم هناك في شكل كلّي منذ العام الماضي.
وقال الشلفي لـ”المونيتور” إنّ الصراع المسلّح في تعز تسبّب في إغلاق 468 مدرسة من إجمالي المدارس البالغ عددها 1624، والنتيجة حرمان 250 ألف طالب من التعليم، من إجمالي 800 ألف طالب.
الخشية على أبنائهم
إضافة إلى تدهور العمليّة التعليميّة في اليمن، يخشى أولياء الأمور على أبنائهم في ظلّ التحليق المتواصل للطيران في سماء اليمن. ومع اليوم الدراسيّ الأوّل للعام الجاري في 1 تشرين الأوّل/أكتوبر 2016، كانت مقاتلات التحالف تحلّق صباحاً في شكل كثيف ومنخفض في سماء صنعاء، ممّا أثار الرعب في أوساط الطلّاب.
وجاءت هذه الحرب لتضع مسماراً إضافيّاً في نعش التعليم في اليمن الذي كان يعاني أساساً من عقبات كبيرة، أهمّها تسرب الطلّاب من مدارسهم نتيجة الفقر المدقع الذي يجبرهم على الالتحاق بسوق العمل، أشارت دراسة لليونسكو عام 2015 ان اليمن احتلت المركز في الثاني في البلدان العربية من حيث نسبة الأمية التي وصلت الى 30 بالمائة
وكذلك الازدحام الشديد بعدد الطلّاب في المدارس، ممّا يطيح بأيّ جهود حكوميّة لتحسين التعليم، إضافة إلى البنية التحتيّة الهشّة التي لم تكن جيّدة في الأساس. تفتقر معظم المدارس التي تقع في المدن الى المختبرات, والمعامل ، اما في المناطق الريفية فلا يزال الكثير من التلاميذ يدرسون تحت أشعة الشمس في العراء.