لا يمكن تقزيم المعركة في اليمن على أنها مع الحوثيين وفي سوريا مع آل الأسد، بل مع إمبريالية طائفية فارسية خشنة وطويلة الأمد ما لم يحدث صدع في مشروع الثورة داخل طهران نفسها، ولم تتوحش هذه الاقليات إلاّ حين كانت طهران ظهراً لها. ليس جديداً أن تسمع دول المنطقة من نظام الملالي في طهران التهديدات، ولكن حين تتحول تلك التهديدات إلى صواريخ تضرب مصالحها، وبشكل عملي، وهذه المرة على سفينة إماراتية؛ فهو التحول الخطير في ظاهرة صراع عرب المنطقة مع إيران.
لا يمكن القول إن إيران ليس لها دخل بما حدث في باب المندب بعد أن كشفت الملاحة الامريكية، في تقرير لها، أن الصاروخ هو شبيه بالصاروخ الذي اطلقه حزب الله في حرب تموز 2006م. ولو سلمنا جدلاً أنه من بقايا صواريخ النظام السابق فإن صالح قد تحول إلى بيدق بين يدي طهران.
من أين للحوثيين هذا الصاروخ وهذه الامكانات وهي الجماعة التي كان حجم قوتها العسكرية تتمثل في حرب دماج، التي ظلت أكثر مئة وعشرة أيام دون القدرة على اقتحام المنطقة، وحرب عمران حين مضى أكثر من ثلاثة أشهر دون تمكنها على اقتحامها لولا دخول صالح في خط الصراع.
إيران وحدها من تدفع بكل ثقلها نحو اليمن وسوريا، أيضاً، ولا تعتبر ما تقوم به مساعدة لحلفائها بل تعتبرها معركتها “في عمق العدو”، هكذا قال العقيد أحمد غلامبور القيادي البارز والسابق بالحرس الثوري قبل يومين لوكالة فارس، وهو نقل معاركهم خارج دولة الثورة الإيرانية.
حين اتفق على وقف الحرب بين طهران والعراق نهاية الثمانينيات، قال الخميني إن وقف الحرب مع العراق قبلنا بها ولكن “كمن يتجرع سُماً”، هكذا يقول لأن إيران الخميني لا تؤمن إلا حين تصبح مكة والمدينة تحت حسينيات تديرها العمائم السوداء.
خاضت إيران الحرب مع العراق وكانت عينها على مكة والمدينة وحين كسرت البوابة الشرقية للعرب ودخلت العمائم السوداء على ظهر الدبابة الأمريكية بدأت تخطط باستراتيجية “حرث الأرض” و”الهلال الشيعي” وهذا معناه نقل المعركة إلى عمق العرب وبلاد الأمة السنية.
واليمن كانت جزء من هذه الرؤية العدوانية، إذ نُقل عن مسؤول يمني كان يعمل في لبنان أن قيادياً في حزب الله تحدث له عن دخول صنعاء وكيف يتم اسقاط المناطق القبلية الممتدة بين عمران وصنعاء ومارب والجوف، وهذا كان جزء من خطة “حرث الأرض” التي تم التخطيط لها.
أياً تكن صحة هذه المعلومة إلاّ أن الحرب في اليمن أظهرت “مجسات” طهران في كل جبهة وبدت، في تعاملها، كما لو أن اليمن جزء من أرض الحضارة الفارسية، إذ أن البلد الذي وضعت في دستورها تصدير الثورة للمنطقة لا يمكن أن يتوقع أن تدفع لليمن السجاد الإيراني أو ترمي دول المنطقة برمان صعدة.
المشكلة أنه لا يوجد دولة عربية صلبة تواجه هذا المشروع الخشن. الرياض ربما هي من باتت تواجه هذا المشروع لكنه لا يتعدى الدفاع عن النفس، وقيادتها للتحالف في اليمن ليس لأنه جزء من إطار أمنها الخارجي بل أصبحت اليمن كما لو أنها جزء من الرياض وأمنها.
لماذا جاءت روسيا الى سوريا وقطعت كل المحيطات والجبال ليس لكي تدافع عن بشار الذي كانت الثورة تحاربه على أسوار دمشق ولكن لأن روسيا، رغم تلك المسافات الشاسعة، تعرف مدى تأثيرات وصول الثورة إلى سدة الحكم على مصالحها في هذا الجزء من الأرض.
وحين تكون الحرب في اليمن، التي تتداخل مع الأراضي السعودية، فمعناة أن إيران كسبت أكبر حرب ضد المشروع، بشقية العربي والاسلامي. العربي، لأن إيران تقاتل بمرجعية “حضارة فارس” في عمق أصل العرب، والاسلامي، لأنها حصلت على أرض هي أقرب إلى مكة والمدينة منبع المشروع إسلامي سني كمشروع له ألف وأربع مئة عام.
وعلى هذا النحو، لا يمكن تقزيم المعركة في اليمن على أنها مع الحوثيين وفي سوريا مع آل الأسد، بل مع إمبريالية طائفية فارسية خشنة وطويلة الأمد ما لم يحدث صدع في مشروع الثورة داخل طهران نفسها، ولم تتوحش هذه الاقليات إلاّ حين كانت طهران ظهراً لها.
وما لم يتم التموضع من جديد لإدارة الحرب مع إيران في اليمن بشكل خاص فإننا سنرى تدمير سفينه أخرى في باب المندب أو في مكان آخر، بينما سيكون التعويل على أمريكا ودول أوروبا لردع الحوثيين ضرب من السذاجة، إذ لو علم الحوثيون وإيران أن هذا “الغرب” سيعكس تحركاته عليهم سلباً وبشكل عملي، لما تجرؤوا على رمي السفن حتى بالورود.