لم يعد صالح سوى زعيم حرب يتخفى خلف ما تبقى من حزب المؤتمر المتهالك أملاً في استعادة السلطة التي غادرها مكرهاً. في الثالث والعشرين من شهر نوفمبر 2011 وقع المخلوع صالح اتفاق التنازل عن السلطة، إثر ثورة شعبية عارمة لم يكن يتوقعها، بعد أن ظل على مدى 33 عاماً يعتقد أن الثورة لا يمكن أن تقوم إلا على الأئمة أو الاستعمار، وظل يستعير من قاموس العصر مفردات الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة، ولكنه ظل يعمل على الضد من هذه المعاني رغم أن البلاد بعد إعادة تحقيق وحدتها في الـ22 من مايو 1990 لم تكن تحتمل دكتاتورية كتلك التي رسخها المخلوع صالح بكل ما أوتي من قوة.
أدعى المخلوع صالح أنه سلم السلطة سلمياً، وهو بهذا الادعاء حاول الهروب من حقيقة أنه اضطر إلى ذلك مكرهاً، ولم يكن في حسبانه أن تتغير قواعد اللعبة، وينقلب العالم كله على ثورات الربيع العربي ويسخر كل الإمكانيات للتآمر عليها وإجهاضها وإلا لما كان اضطر إلى التنازل عن السلطة.
شاهد صالح القذافي وهو يلقى مصيراً سيئاً على يد شعبه، وتلفت يمنياً ويساراً ولم يجد غطاء من الدول المجاورة ولا من العواصم الكبرى التي كانت ربما تنسج خطة لاستيعاب ثورة الشعب وإعادة تكييف مخرجاتها، لكن لم يكن صالح أحد خياراتها المناسبة، فاضطر إلى التنازل عن السلطة، وقال حينها “ليس المهم التوقيع ولكن المهم حسن النوايا”.
لم تكن هناك من نية سيئة إلا عند هذا المخلوع، الذي أبقى على إمكانية الدولة كلها تحت تصرفه، واستخدم جزء منها في المواجهات الدامية إبان العام 2011 في الحصبة وأرحب وفي تعز، والأسوأ أن المخلوع بدأ بالتطبيق الشامل للاتفاق السري مع القوى الإمامية التي تمثلت بشكل صارخ في الحوثيين، وعلى الفور بدأ دور هؤلاء يتعاظم وخطرهم يزداد حدة على الوطن والإقليم، خصوصاً وأن هذه الميلشيا مرتبطة بالأجندة الطائفية الاستئصالية الصارخة لإيران الشيعية.
منذ أن تنازل عن السلطة إلى يوم 21 سبتمبر 2014، لم يكن المخلوع صالح يضحك، كان دائم التوتر والتذمر، وكان أقاربه يجدون صعوبة في إخراجه من دائرة الضيق الذي استبد به وحوله إلى أكثر اليمنيين حقداً وضغينة.
ما يزال الجميع يتذكرون المراسيم الشكلية التي رتبت في دار الرئاسة لتسليم السلطة، وهي الترتيبات التي أراد من خلالها أن يثبت أنه تنازل عن السلطة طواعية وليس بالإكراه، ولكن الحقيقة هي أنه تنازل عن السلطة مكرهاً ولهذا تلبسه كل هذا الحقد الذي غذى مخطط الانقلاب على السلطة الانتقالية، وهي سلطة أبقت على المؤتمر الشعبي مهيمناً على كل مفاصلها تقريباً.
الحقيقة الأخرى التي لا يريد أن يعترف بها المخلوع صالح ويحاول تغطيتها بمصطلحات مراوغة من قبيل الوفد الوطني، التي يطلقها إعلامه على وفد الانقلابيين إلى المشاورات، هي أنه متورط في تبني مشروع طائفي جهوي صارخ يحاول، تزيينه ببعض الإضافات التي تظهره كما لو كان مشروعاً يمنياً.
وفي ظل الحرب التي يمثل المخلوع الطرف الأساسي فيها إلى جانب حلفائه الحوثيين، لم يعد صالح سوى زعيم حرب يتخفى خلف ما تبقى من المؤتمر الشعبي العام المتهالك أملاً في استعادة السلطة التي لن تعود أبداً.
الحرب التي يخوضها المخلوع، تستخدم فيها آخر الإمكانيات العسكرية والخبرات التي تم بناؤها بكلفة مالية عالية، استنزفت أكثر من ثلث ميزانية الدولة طيلة العقود الثلاثة التي مضت من حكمه السيء للبلاد.
وهذه الإمكانيات العسكرية التي تهدر اليوم لا تضيف لليمن سوى المزيد من البؤس والخراب والمزيد من التمزق الاجتماعي والوطني، والمحن والأحقاد التي خلفها حكمه الفاسد.
من المخزي حقاً أن يتحول المخلوع صالح إلى “آمر قصر السلاح” الذي تتركز مهمته في إمداد الحوثيين بالأسلحة ومعركتهم المفضوحة لاستعادة الإمامة المقبورة، وهو الذي كان يصم آذاننا بخطاباته المنددة بالحكم الإمامي البائد، مع حلول ذكرى السادس والعشرين من سبتمبر، خصوصاً عندما كان يرتدي البزة العسكرية باهضة الثمن والمرصعة بالرتب والنياشين التي لا تتطابق مع دوره، والتي ما تزال حتى اليوم من المنهوبات التي سطا عليها المخلوع كما سطا على عشرات المليارات وعلى ما لا يمكن حصره من الأموال والعقارات والمقدرات، وعلى ما لا يقدر بثمن وهو أعمار اليمنيين وأحلامهم التي ذهبت سدى بسبب حكمه الفاسد.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي “يمن مونيتور”.