السياسة المرتعشة.. تحليل في نهج بايدن باليمن خلال أربع سنوات
يمن مونيتور/ وحدة التقارير/ من مأرب الورد
في أول خطاب له بعد توليه منصبه، وعد الرئيس جو بايدن بإنهاء الحرب في اليمن وبالفعل اتخذ عدة خطوات ساهمت في التوصل إلى الهدنة وكان يُمكن أن تفضي في النهاية إلى سلام، لكن بعد حرب غزة وانخراط الحوثيين في مهاجمة السفن المرتبطة بإسرائيل بزعم دعم الفلسطينيين، أهدرت واشنطن مكاسب “نصف السلام” بعد التدخل العسكري ضدهم وربط الحل في اليمن بأمن إسرائيل، وهذا سيؤدي إلى تأثيرات على اليمن ومصالح أمريكا في المنطقة.
في الواقع، كانت مقاربة بايدن تعتمد على أفكار عامة تتبناها الأمم المتحدة لكن التحوّل الجديد هو تعيين الدبلوماسي تيم ليندركينج كأول مبعوث أمريكي لليمن منذ بدء الصراع وإنهاء الدعم الأمريكي لعمليات التحالف العربي بقيادة السعودية في اليمن، بما في ذلك مبيعات الأسلحة ذات الصلة.
كان اختيار ليندركينج لقيادة الجهود الدبلوماسية خطوة في الاتجاه الصحيح لأنه يملك خبرة في شؤون المنطقة التي عمل فيها لسنوات، مما ساهم بعد ذلك في إعادة الزخم الدبلوماسي للملف اليمني وذلك من خلال قيامه بما يقرب من 20 رحلة إلى منطقة الشرق الأوسط وعدد من الدول الأوروبية منذ تعيينه في فبراير ٢٠٢١ وحتى مارس/آذار ٢٠٢٢، وأثمرت هذه الجهود في تحقيق اختراق مهم هو اتفاق هدنة في أبريل/نيسان ٢٠٢٢ تضمنت وقف جميع العمليات العسكرية الهجومية داخل اليمن وعبر حدوده، في إشارة للهجمات على السعودية.
وعلى الرغم إن الهدنة كانت لمدة شهرين قابلة للتجديد، إلا أنه تم تجديدها عدة مرات وبعد ذلك أصبحت أمرا واقعا حتى اليوم لتكون أطول هدنة مما أدى الى تراجع أعمال العنف وتسهيل حركة دخول الوقود والبضائع لموانئ الحديدة التي يسيطر عليها الحوثيون واستأنفت الرحلات الجوية من مطار صنعاء إلى بعض الدول لأول مرة منذ بدء الصراع، بينما لم يكن هناك تحسن اقتصادي وملف المحتجزين فضلا عن الجانب السياسي.
- هل يبتز الحوثيون شركات النقل البحري بملايين الدولارات؟-تحليل
- ما خيارات ترامب للتعامل مع الحوثيين؟!
- الحوثيون بين طموح إقليمي وعبء ثقيل: هل ينجحون في خلافة حزب الله؟ (تحليل معمق)
تفاخر بايدن بنظرته القاصرة
ولتقييم هذا التحوّل، يقول عدنان هاشم، باحث في العلاقات الدولية إن “بايدن سعى في البداية إلى فصل الملف اليمني عن ملفات الخليج والمنطقة وكان هذا خيارا جيدا، لكن بعد زيارته للرياض والتباحث حول سياسته تم التراجع عن هذا الفصل الجزئي وتم إعادة ربط قضية اليمن بالخليج، وحتى ذلك الوقت كانت واشنطن تنظر للحوثي على أنه مشكلة يمنية وأنه طرف سياسي في أي حل”.
في تلك الزيارة، تفاخر بايدن بأنه أول رئيس أمريكي يزور المنطقة دون أن تشارك القوات الأمريكية في مهمة قتالية هناك لأول مرة منذ ١١ سبتمبر/أيول، ووعد بالعمل على تهدئة الصراعات وإنهائها حيثما أمكن والمثال على هذا النهج يتمثل في الهدنة باليمن.
لكن هذا النهج مجرد “نظرة قاصرة ووعود انتخابية بالدرجة الأولى أكثر مما تستند على فهم الوضع اليمني نفسه”، كما يرى عدنان الجبرني، الباحث في الشؤون العسكرية وجماعة الحوثي.
ويندرج ضمن هذا النهج التراجع عن أهم إجراءات بايدن تجاه اليمن والضغط على السعودية، ويتجلى ذلك في إلغاء تصنيف الحوثيين كجماعة ارهابية بزعم أنه يؤثر على الأزمة الإنسانية في البلاد، وكان ذلك بمثابة خيبة أمل للرياض لأنها كانت تدعم هذا التصنيف وتعتقد أنه سوف يضع المتمردين في موقف ضعيف. لقد كانت هذه الخطوة “نزعة انتقامية من كل إجراءات ترمب وخاصة تصنيف الحوثيين، إضافة إلى الموقف من السعودية في البداية”، كما يقول الجبرني لموقع يمن مونيتور.
من الواضح أن هذه المقاربة كانت تهدف للانفتاح وتقديم الحوافز للحوثيين لتغيير سلوكهم السياسي وتشجيعهم على التفاوض، وبنظرة أعمق، تندرج في سياق الانفتاح الأوسع على إيران التي تدعم الحوثيين ضمن سعي واشنطن العودة إلى الاتفاق النووي معها.
كانت سياسة الانفتاح تثير تساؤلات عما إذا كانت ستنجح، لاسيما وأن هذا التصوّر يعتمد على تقييم مبالغ فيه أو حسابات خاطئة. على سبيل المثال، قال ليندركينج في مقابلة صحافية عام ٢٠٢٢ إن الحوثيين “منفتحون على دور أمريكا” واستبعد أن يقوموا بتجويع اليمنيين أو إجبارهم على النزوح وتحدث عن تعاونهم مع المؤسسات الدولية مثل برنامج الغذاء العالمي، على الرغم إن البرنامج نفسه اتهم الحوثيين بسرقة الغذاء من أفواه الجياع عام ٢٠١٨.
ابتزاز الحوثيين
لسوء الحظ، جاءت النتيجة على عكس ما أرادته واشنطن؛ فلم يتغير سلوك الحوثيين السياسي حيث رفضوا المضي قدما في التفاوض مع الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا واختاروا الابتزاز مثل اختطاف موظفي المنظمات الأممية والدولية والبعثات الدبلوماسية للحصول على المزيد من المكاسب.
وبالطبع، أحد الأسباب التي تشرح هذا السلوك، هو أن المقاربة تنظر إليهم كمشكلة يمنية داخلية يمكن حلها بمزيد من التنازلات لهم، والتهوين من ارتباطهم بطهران وقد اتضح أن هذا لم يكن واقعيا بعد حرب غزة.
ومع تزايد الهجمات على الملاحة في البحر الأحمر ومضيق باب المندب الذي تمر منه ١٢ في المائة من التجارة العالمية، كان هناك تغيير ملحوظ في النهج الأمريكي تجاه الحوثيين يضم مزيجا من سياسة العصا والجزرة؛ الضغوط العسكرية والسياسية والمالية مع الوعود برفع بعض هذه الإجراءات في حال توقفت الهجمات.
وقد أعلنت واشنطن في ١٨ ديسمبر/كانون الأول الماضي عن تحالف “حارس الازدهار” وهو مبادرة أمنية تضم العديد من الدول للتصدي للهجمات وضمان حرية الملاحة، ولم يكن بين هذه البلدان أي دولة عربية بما في ذلك المطلة على البحر الأحمر مثل السعودية ومصر خشية أن تظهر أمام شعوبها أنها تقف مع إسرائيل بالإضافة إلى أنها تريد تجنب أي تأثير على مصالحها.
- حصري- القوات تحتشد.. استعدادات عودة الحرب إلى الحديدة
- حصري- مختبئة في أعماق الأرض.. مخازن ومصانع الحوثيين الأكثر سرية
- كيف سيتعامل ترامب مع حرب اليمن والحوثيين؟
المراقبة الأمريكية الضعيفة
إن الدافع وراء التغيير كما يقول هاشم في مقابلة مع موقع يمن مونيتور هو “أولوية أمن إسرائيل لا أمن الخليجيين وهذا ما يفسّر رفضهم الانضمام للتحالف باستثناء البحرين لأنها مقر الأسطول الخامس وبالتالي فإن هذا التحالف يتعلق بالغرب ومصالحه بشكل عام وليس بالخليجيين وهذا يؤثر على العلاقات بين واشنطن ودول الخليج”.
بعد ذلك صعّدت الولايات المتحدة من الضغوط العسكرية في العاشر من يناير/كانون الثاني الماضي، وانتقلت من مرحلة الدفاع ضد الهجمات إلى الهجوم على مواقع عسكرية داخل اليمن، وكان ذلك أول هجوم مباشر من جانبها على الحوثيين وأول قصف جوي على اليمن من جانب أي قوة منذ إعلان اتفاق الهدنة.
بالتزامن مع ذلك، تم استخدام وسائل الضغط السياسي، حيث أعادت واشنطن في ١٧ يناير الماضي تصنيف الحوثيين كجماعة إرهابية عالمية محددة وهو أقل مستوى من تصنيف ترمب، وفي نفس الوقت منحتهم مهلة ٣٠ يوما للتراجع عن عملياتهم مقابل إلغاء التصنيف لكنهم رفضوا، بالإضافة إلى ذلك، فرضت عقوبات على أفراد وكيانات تدعم الحوثيين ماليا مرتبطة بالحرس الثوري الإيراني.
ومع ذلك، واصل الحوثيون هجماتهم وأظهروا أن لديهم قدرات عسكرية متطورة مثل الصواريخ الباليستية والطائرة المسيرة والمركبات البحرية غير المأهولة والتي تشكل خطرا على السفن، مما دفع الولايات المتحدة للتركيز على دور إيران في تزويدهم بالأسلحة وطرح قضية تنفيذ حظر الأسلحة على اليمن في جلسات مجلس الأمن.
كانت أمريكا تعرف أن هناك العديد من أوجه القصور والضعف في آلية الأمم المتحدة للتفتيش والتحقق للسفن التي تصل إلى موانئ الحديدة لتنفيذ حظر السلاح بموجب قرار مجلس الأمن رقم 2216، وعلى ما يبدو كان هناك تغاضي عن دخول السفن إلى الموانئ دون تفتيش في عام ٢٠٢٣، باعتراف مسؤول في بعثة أمريكا لدى الأمم المتحدة في يوليو/تموز الماضي.
وتشمل أبرز الثغرات في الآلية الأممية بحسب مسؤول خليجي كبير “تفتيش السفن التي تتجاوز حمولتها 100 طن فقط في ميناء جيبوتي، أما البقية فلا تمر على آلية التفتيش بما في ذلك السفن الأصغر حجما، مع أن الكثير منها قادرٌ على حمل الصواريخ أو أجزائها”.
في منتصف أكتوبر الماضي، أكد المندوب الأمريكي أنه “يتعين على مجلس الأمن أن يتخذ خطوات لتعزيز الآلية لأنها مهمة لوقف تدفق الأسلحة إلى الحوثيين”، وأشار إلى أن الآلية “مقيدة بفجوات التمويل ونقص الموظفين، وأن أمريكا قدمت مليون دولار لدعم الآلية في عام 2024، ونطلب من الجميع المساهمة الإضافية في ميزانيتها لعام 2025 دون أي قيود”.
في يوليو/تموز الماضي، وبينما كان يقول بايدن إنه أول رئيس أمريكي في هذا القرن يبلّغ الأمريكيين أن أمريكا ليست في حالة حرب مع أي أحد في العالم، كان الجيش الأمريكي يعلن قبل ساعات من كلمته أنه قصف مواقع عسكرية للحوثيين داخل اليمن.
نهج بعيد عن السلام
إن النهج الحالي لن يساعد في جلب السلام ولا ردع الحوثيين، وبالتالي فإن آمال اليمنيين في السلام ذهبت ضحية لمغامرات الحوثيين الخارجية ومصالح ايران الاقليمية رغم أنهم يحاولون اخفاء ذلك بحجة مقبولة مثل التضامن الإنساني مع غزة، كما أن أمريكا هي الأخرى مسؤولة عن تقويض جهود السلام لأنها بدأت تقايض الحل في اليمن بأمن إسرائيل وتطلب وقف الهجمات قبل تنفيذ الاتفاق بين الرياض والحوثيين “رغم أن المضي في الاتفاق يعني خروج اليمن من حالة الحرب وتنفيذ وعود بايدن”، كما يشرح الباحث هاشم.
من الحكمة أن تدرك أمريكا أن إبعاد اليمن عن الصراعات الإقليمية يحافظ على جهودها في الهدنة ويساهم في المضي قدما نحو الحل السياسي، مما يتطلب التخلي عن النهج الحالي الذي برأي هاشم “ينظر لليمن من منظور المصلحة الإسرائيلية لأنه سيجلب لواشنطن العديد من المشكلات وقد يجلب تدخل الروس وحتى الصينيين وربما يؤثر على وحدة مجلس الأمن حول اليمن في حال اقترح مشروع قرار في المستقبل”.
ويتفق معه في هذا الرأي الجبرني الذي يقول إن “إدارة بايدن كانت في البداية تنظر الى اليمن من منظور علاقتها مع السعودية وهي الآن تنظر إلى اليمن من بوابة مصالح إسرائيل، ولذلك فإن هذا النهج سيستمر في خلق مزيد من النتائج العكسية طالما أنه لا يستند على نتائج فهم الواقع في اليمن”.
وفي الواقع، هناك تقارير تشير إلى بعض هذا التأثير مثل دعم بعض القوى الحوثيين بالسلاح مما “سيغير قواعد اللعبة” كما يرى ليندركينج.