أخبار محليةالأخبار الرئيسيةتقارير

حصري- مختبئة في أعماق الأرض.. مخازن ومصانع الحوثيين الأكثر سرية

يمن مونيتور/ وحدة التحقيقات/ خاص:

شنت الولايات المتحدة غارات على البر اليمني، وقالت إنها استهدفت مواقع تحت الأرض لجماعة الحوثي المسلحة. وهي المرة الأولى التي تستخدم فيها البنتاغون قاذفات متخصصة في استهداف التحصينات تحت سطح الأرض منذ بدء الهجمات في اليمن يناير/كانون الثاني الماضي.

خلال سنوات الحرب طور الحوثيون قواعدهم تحت سطح الأرض لتجنب الهجمات التي تقودها السعودية دعماً للحكومة المعترف بها دولياً، وهو تكتيك ألفته الجماعة المسلحة خلال الحروب الست مع الحكومة (2004-2009).

بعد إعلان الهُدنة في ابريل/نيسان 2022 وسع الحوثيون عمليات البناء والتأسيس للقواعد تحت أرضية، حسب مصادر متعددة تحدثت لـ”يمن مونيتور” فإن معظم انفاق الجماعة اليمنية تحوّل لبناء مدن عسكرية تحت الأرض، وهي مرحلة جديدة من الحماية لحرب طويلة يتوقع الحوثيون مواجهتها في المستقبل. وكان ذلك بعد مشاركتهم في هجمات البحر الأحمر فيما يقولون إنه دعم للفلسطينيين الذين يواجهون حرباً وحشية وجرائم إبادة جماعية في قطاع غزة من قِبل الاحتلال الإسرائيلي.

وحسب المصادر فإن الخرق المخابراتي الذي حدث لإيران وحزب الله يمثل أكبر هواجس قيادة الحوثيين، وعلى الرغم من أن استهداف المعسكرات والمعامل (المصانع) تحت أرضية يمثل هاجس أقل إلحاحاً في الوقت الحالي إلا أن عديد من قادة الجماعة يرون ضرورية دفعها للأولوية بسبب أن المشاركة الإقليمية للحوثيين طارئة ولم تكن المخابرات الأمريكية والإسرائيلية قد قامت بعمليات اختراق واسع داخل صفوف الجماعة الرئيسية.

فما طبيعة المُدن العسكرية العالم المخفي للحوثيين تحت سطح الأرض؟! تحدث “يمن مونيتور” في هذا التقرير لأكثر من 12 مصدراً مطلعين على التفاصيل للإجابة عن هذا التساؤل.

صور أقمار صناعية التقطت في يناير2024 تظهر منشأة تحت الأرض على مدخل صعدة معقل الحوثيين-جرافيك “يمن مونيتور” نشرها أولاً في IISS

طبيعتها وأنواعها

المعلومات عن حجم هذه المُدن وعمقها ما يزال مجهولاً، ومع استخدام الولايات المتحدة في 17 أكتوبر/تشرين الأول2024 مقاتلات شبحية (قاذفات (B-2 Spirit التي تستخدم لاستهداف مخازن الأسلحة تحت الأرض يعود الحديث عن هذه المخازن.

وقال ثلاثة تُجار معدات ثقيلة في صنعاء (العاصمة) وحجة (شمال) والحديدة (غرب) لـ”يمن مونيتور” إن الحوثيين هم زبائن دائمين لآلياتهم منذ 2018م، وتزايد طلبهم على الآليات إما بالاستئجار أو الشراء منذ 2022م.

وأشاروا أن عملية الاستئجار تتم عبر مشرفين ومسؤولين تابعين للجماعة، بينهم واحد على الأقل كان يعمل مقاولاً لوزارة الدفاع ومرتبط ب”أحمد حامد” (أبو محفوظ) الرجل القوي داخل الحوثيين، ومدير مكتب مهدي المشاط رئيس المجلس السياسي الأعلى (هيئة توازي رئاسة الجمهورية).

وفي الحقيقة فإن اليمن عرفت المنشآت تحت الأرض منذ عقود، إذ كان الرئيس اليمني الأسبق علي عبدالله صالح قام ببناء عدد من المرافق تحت الأرض للصواريخ الباليستية والأسلحة المهمة في صنعاء وما حولها.

وقال مصدران من الحوثيين مطلعين على التفاصيل لـ”يمن مونيتور” إن الجماعة قامت بتجديد وتوسيع المرافق الموجودة تحت الأرض التي تم بنائها في عهد علي عبدالله صالح وسيطر عليها الحوثيون بعد أن قتلوه في نهاية 2017 بعد أن حاول تبديل ولائه من الجماعة المسلحة إلى التحالف العربي الذي تقوده السعودية.

ويشير المصدران إلى أن الحوثيين قاموا بالفعل ببناء عدد كبير من المخازن والمعامل تحت الأرض منذ ذلك الحين لعديد من المهام: تركيب وتصنيع الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة، معامل تركيب المتفجرات، معامل تركيب وصناعة القوارب المسيّرة والألغام البحرية، القيادة والسيطرة، للحرب، لمخازن الأسلحة التقليدية، لمخازن الأسلحة المتقدمة.

وتواجه إيران اتهامات بتوزيد الحوثيين بتكنولوجيا الأسلحة التي تملكها بما فيها صواريخ بمدى 2000كم، وصواريخ فرط صوتيه، وطائرات مسيّرة جرى استخدام بعضها العام الماضي لمهاجمة إسرائيل والسفن في البحر الأحمر. وينفي النظام الإيراني تسليح الحوثيين، على الرغم من العثور على أسلحة مصنعة في طهران في ساحة المعركة وفي شحنات بحرية متجهة إلى اليمن على الرغم من حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة.

صور أقمار صناعية التقطت في مارس2022 تظهر منشأة تحت الأرض في معسكر الحفا شرقي صنعاء-جرافيك “يمن مونيتور” نشرها أولاً في IISS

العمق

ولأن المنشآت تحت الأرض فإن عمق هذه المنشآت هو حجر الزاوية في الحماية والسرية. وفي ابريل 2017 كشفت تقارير استخباراتية إن الحوثيين يبنون مصانعهم على عمق 50 قدماً تحت الأرض.

أشارت تلك التقارير إلى أن خبراء من حزب الله اللبناني والحرس الثوري الإيراني وخبراء من القوة الجو-فضائية الإيرانية كانوا في اليمن لبناء تلك المنشآت.

تشير مصادر “يمن مونيتور” إلى أن ما تم بناءه في ذلك الوقت كانت معامل بسيطة، ومع توسيع تسليح الحوثيين لأنفسهم، والأسلحة التي يقومون ببنائها وزيادة قوتها التدميرية، والتجارب على نجاحها، احتاجوا توسيعها وبناء منشآت جديدة.

وقال مصدر إلى منشآت القيادة والسيطرة للجماعة خلال الحرب منتشرة في أكثر من منطقة بينها العاصمة صنعاء، وتُبنى على عُمق 7-10 طوابق تحت أرضية، وتستخدم الهناجر الكبيرة للمؤسسات التجارية كغطاء لوجودها.

الحماية

بالنسبة للمعامل والورش العسكرية تحت الأرض فإن الحوثيين يقومون ببناء أسقف مصنوعة من الخرسانة السميكة المبطنة لتوفير الحماية من الضربات الجوية- كما يشير تقرير نشره “فليت الألمانية” في 27 ابريل/نيسان2017م.

وتظهر صور أقمار صناعية نشرها مركز أبحاث في الولايات المتحدة في ابريل الماضي استخدام الحوثيين التضاريس الوعرة لبناء مخازن الأسلحة والمتفجرات ومصانع الأسلحة. وتظهر في الصور فوهات كبيرة استحدثها الحوثيون في الجبال اليمنية العام الماضي يمكن للمدرعات الدخول إليها.

وقالت مصادر “يمن مونيتور” إنه يوجد أنظمة تهوية متقدمة في تلك المنشآت خشية الاختناق، بما في ذلك أجهزة إنذار ووسائل السلامة الأخرى.

وعلى الرغم من عدم وجود دليل سياسات للحماية والوقاية في منشآت مثل هذه، إلا أن أحد المصادر لفت إلى أن الحوثيين حسنوا وسائل السلامة مع وقوع عديد من الحوادث في تلك المنشآت خلال العقد الماضي “نستفيد من التجارب بمرور الوقت”.

السرية

وتعتبر السرية حول مواقع تلك المنشآت طبقة جديدة من الحماية، وليس بإمكانك التجول بخارطة “جوجل ماب” للوصول إليها؛ فتلك المنشآت ليست مزاراً لأعضاء الجماعة، وحتى أولئك المتصلين بالمنشآت يخضعون لدليل سياسات صارم للوصول إليها.

ووفق مسؤول من الحوثيين إنه جرى تصميمها من حيث الموقع والغطاءات لتكون سرية وصعبة الاكتشاف، مما يقلل من احتمالية التعرض للهجمات.

وتوجد تلك المنشآت في بطون الجبال الوعرة والشاهقة في مناطق الحوثيين شمالي اليمن. وللوصول إليها يملك الحوثيون طُرقاً فرعية تم شقها خلال سنوات الحرب وليست مرتبطة بالطرق المعروفة.

وقال رجل أعمال للمعدات الثقيلة من الثلاثة الذين تحدث لهم “يمن مونيتور” إنهم ساعدوا الحوثيين في شق بعض الطرق في المحافظات، ويمنع مرور المواطنين عليها.

يعتمد الحوثيون على المجندين في صفوفهم والموالين لهم للمساعدة في رصف وشق تلك الطرقات- حسب ما أفاد 5 من مجندي الجماعة تحدثوا في مجلس قات في محافظة عمران في مايو/أيار الفائت بوجود أحد مصادر “يمن مونيتور”.

وأشار المجندون إلى أن كل فرقة تقوم بالعمل على جزء معين من الطريق ثم تغادر، لتأتي فرق جديدة دون معرفة للنهاية الأخيرة للطريق والغرض منه.

يدير هذه المنشآت مكتب زعيم الحوثيين بشكل مباشر، مع مجموعات متعددة للحماية والسرية ونقل الغذاء والخبراء والمستلزمات التي يحتاجونها، معظمها من عدة إدارات في وزارة الدفاع، وفي مقدمتها هيئة الاستخبارات العسكرية والاستطلاع التي يترأسها عبدالله يحيى الحاكم (أبو علي).

جرافيك يمن مونيتور

متغيرات جديدة

لا شك أن الحوثيين يستفيدون من تجاربهم السابقة ومن الحركات المسلحة الأخرى الموجودة في المنطقة. ألهمت الانفاق في قطاع غزة وقدرتها على الصمود والنجاة من الهجمات الإسرائيلية طوال عام الحركة اليمنية.

والأمر ذاته بالنسبة لطبيعة الاستهداف للاغتيالات التي تعرض لها قادة حزب الله في لبنان؛ ويرسل استهداف الولايات المتحدة باستخدام (قاذفات (B-2 Spirit المدى الذي يمكن أن تذهب إليه الغارات الأمريكية النوعية تجاه الجماعة، ويبحثون عن حلول لجوانب الضعف التي اكتشفوها مع المتغيرات الجديدة.

ويتوقع قادة الحوثيين حرباً موجهاً ضد الجماعة في المستقبل القريب سواءً من خصومهم في الحكومة المعترف بها دولياً، أو عبر تحالف دولي يفوق الهجمات الجوية التي تشنها الولايات المتحدة وبريطانيا منذ يناير/كانون الثاني الماضي، ويقولون إنهم يستعدون لها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى