عندما انطلقت الثورة اليمنية ضد نظام الحكم الإمامي استفادت من تجربه الثورة الدستورية 1948م، وحاولت ألا تكرر الأخطاء التي وقعوا فيها مرة أخرى؛ لكن أخطاء جديدة في جمهورية ما بعد الثورة وقع فيها الثوار بشكل أكبر من المتوقع، ولا تتعلق بالداخل بقدر تدخلها في العلاقات الخارجية لليمن.
عندما انطلقت الثورة اليمنية ضد نظام الحكم الإمامي استفادت من تجربه الثورة الدستورية 1948م، وحاولت ألا تكرر الأخطاء التي وقعوا فيها مرة أخرى؛ لكن أخطاء جديدة في جمهورية ما بعد الثورة وقع فيها الثوار بشكل أكبر من المتوقع، ولا تتعلق بالداخل بقدر تدخلها في العلاقات الخارجية لليمن.
نشر القاضي عبدالرحمن الإرياني في مذكراته جملةً من تلك الأخطاء التي بدأت بمهاجمة السعودية وإعلان الرغبة في تصدير الثورة إلى داخل المملكة، الكثير من التصريحات القومية ضد السعودية كانت أكثر جموحاً من قبل؛ ومع ذلك و وفق عوامل خارجية وداخلية كثيرة قامت الجمهورية الأولى لليمن وترسخت بعد ثمان سنوات من الحرب.
لم تترسخ الجمهورية ومعانيها بشكلها الكامل والمكتمل فتاريخ مليء بالاغتيالات لسياسيين، واستمرار تحكم النفعيين بإدارة البلاد، وعدم الاكتراث للجمهورية أبرز ما دار خلال الجمهورية الأولى، التي لم تؤسس الحكم الرشيد، وهي حالة طبيعية في عملية تطور الدولة المرتبط بتطور النظام الحاكم والتداخلات السياسية في هرّم البنية التنظيمية لأجهزة الدولة المركزية؛ انتجت الجمهورية في الشمال وحدة مع جمهورية في الجنوب، فعادت اليمن أرض واحدة رغم تشوهات شكل الدولة وطريقة الدمج دون التدرج التي أدت إلى احتراب داخلي؛ مع كل ذلك فتلك إنجازات الجمهوريتين الأولى شمالاً وجنوباً.
كانت تلك التشوهات والاختلالات قائمة وتتمدد حتى انتفاضة فبراير2011م، تم اسقاط التوريث والنظام العائلي داخل الجمهورية الواحدة، معلنة بدء انتفاضات متلاحقة ابتعدت عن أخطاء ثورتي 1962م و 1948م، وكسبت العالم في صفها و أوقفت حرباً أهلية كانت لتقوم أقوى وأعنف من الثورتين السابقتين. بعد 2011م تحالف النظام العائلي مع مشروع “الحق الإلهي” الذي ارتكز عليه الحكم الإمامي لليمن طوال 1000 عام، و “الاحتلال الأجنبي” والتشظي “الدولتي” جنوباً، وبتحالف هجين من “رّدة العائلة” عن الجمهورية، ورغبة في استنطاق “الحكم الإلهي” في استبداد الفرد الواحد، تمت مواجهة ثورة فبراير، خوفاً من دخول الجمهورية الثانية.
استباح الحوثيون صنعاء في سبتمبر2014م، ثم دشنوا مشروعهم حتى الوصول إلى عدن؛ أعلنت طهران عودة “آل البيت” (الحق الإلهي) لقيادة السلطة في البلاد، متفاخرة بالعاصمة الرابعة في مشروعها القومي السلالي، استفزازات الحوثيين للسعودية على الحدود، وتصريحات تصدير الثورة للأقلية الشيعية داخل المملكة، والرغبة الإيرانية في استخدام أمثل للحوثيين، كانت عواراً حوثياً لقراءة التاريخ اليمني مقلوباً. فانتصرت ثورة فبراير مجدداً بعد أن ظن الجميع أن النظام السابق سيعود على صهوة جواد أصحاب “الحق الإلهي”.
في ثورة ارتدادية فعلّية، تكاتف العالم مع ثورة فبراير، وإن بمسميات أخرى، حتى وصلت إلى المرحلة التي تمر بها اليمن اليوم، لأجل ترسيخ أسس الجمهورية الثانية. وأخطاء نظام الحكم بعد كل ثورة تتكرر، فمثلما كان “السلال” متردداً في قراراته ومواجهاته داخل الخط الثوري لثورة سبتمبر تكررت التجربة مع عبدربه منصور هادي، بحسن نية أو بدون حسن نية، أو نتيجة المستشارين، إلا أن ذلك ما حدث وهكذا كتبت وستكتب في التاريخ، ومع ذلك أسست الجمهورية الأولى بصفاء وطموح مستقبل ثورة سبتمبر، وتتأسس الجمهورية الثانية بطموح ونقاء مستقبل ثورة فبراير.
اليمن أمام خيار واحد تأسيس الجمهورية الثانية المستمدة من ثورة سبتمبر، التي استلهمتها ثورة فبراير وناضلت من أجلها وتناضل اليوم من أجلها، فالنظام هو نظام فبراير والجيش هو جيش فبراير والمقاومة هي مقاومة بدأت في فبراير، وستستمر، ونضالها سيستمر حتى تغطي كل أنحاء الدولة الاتحادية الواحدة لتصحح أخطاء الماضي، وتبني مستقبل أجيال الجمهورية الثانية المشرق.