فكر وثقافة

الهامسون بالكتب رحلة القراءة ومسار بناء الشخصية

يعاني الكثير من الطلاب اليوم من قلة الإقبال على المطالعة، وهو ما تؤكده العديد من الدراسات والبحوث، لذا تسعى البعض من المؤلفات إلى تحفيز الطلاب على اكتشاف ثمار القراءة الوافرة، كما تساعدهم على الإبحار في عالم الأدب يمن مونيتور/العرب اللندنية
  يعاني الكثير من الطلاب اليوم من قلة الإقبال على المطالعة، وهو ما تؤكده العديد من الدراسات والبحوث، لذا تسعى البعض من المؤلفات إلى تحفيز الطلاب على اكتشاف ثمار القراءة الوافرة، كما تساعدهم على الإبحار في عالم الأدب. هذا النوع من الكتب مفيد جدا لأنه سيساعد المعلمين والإداريين والآباء على إدراك كيفية التغلُّب على الحالة الراهنة في الفصول المدرسية، حيث يتعلم القليل من الأطفال القراءة، بينما يتعلَم الكثير النفور منها وربما كرهها.
تؤكد الكاتبة والمربية الأميركية دونالين ميلر في كتابها “الهامسون بالكتب.. إحياء القارئ الكامن داخل كلّ طفل” على ضرورة الإيمان بأن القراءة شيء أساسي للجميع، تساهم في تعزيز الأفكار التي ستدفعهم إلى التقدم. وتنادي بضرورة أن تأتي القراءة على رأس جدول أعمال المرء ليس في إطار تعريفها الضيق وإنما على نحو يساعد القراء والطلاب على اكتشاف إحساسهم الخاص بالهدف. تنوه ميلر في كتابها إلى أنها ليست باحثة متخصصة في القراءة أو خبيرة في سياساتها، إنما هي معلمة قراءة، ومصدر مصداقيتها هو أنها معلمة تحثُّ طلابها على القراءة كثيرا، وعلى حبّ للقراءة يستمر لوقت طويل بعد تركهم صفّها.
شغف مستمر
تتساءل ميلر في كتابها، الصادر عن “مؤسسة هنداوي” في القاهرة، بترجمة أميرة علي عبدالصادق، ما الذي يجعل الحاجة لتحفيز القرّاء الصغار وإلهامهم مسألة بهذا القدر من الأهمية؟ لماذا يحتاج المعلمون وأولياء الأمور بشدة إلى معلومات حول كيفية دفع الأطفال إلى القراءة؟ وتشير إلى أن هذا الموضوع يحتل الصدارة لأنّ الكثير من الأطفال لا يقرأون بالشكل المطلوب، وإذا تحدثت معهم، فسيخبرونك بأنهم لا يعتبرون القراءة ذات مغزى في حياتهم.
وتقول إنها درّست طلابا من جميع الخلفيات الاقتصادية والعلمية، بدءاً من أبناء المهاجرين غير المتحدثين بالإنكليزية الذين يعانون من صعوبات في اللغة الإنكليزية وصولا إلى أبناء أساتذة الجامعات، وتلفت إلى أن الظروف التي كانت تهيئها في صفها كانت تنجح مع جميع طلابها.
وتشدّد الكاتبة على أهمية حبّ القراءة والكتب، وأنّه من هنا يجب أن تبدأ تنشئة قرّاء يواظبون على القراءة مدى الحياة. وأي شخص يصف نفسه بالقارئ يمكنه أن يخبرك بأن الأمر يبدأ بالتعرُّف على كتب عظيمة، والحصول على ترشيحات صادقة، ومعرفة مجموعة من القرّاء يشاركونك هذا الشغف. كما تعبّر عن قناعتها بأنه إذا تمّ إيضاح كيفية تبنِّي القراءة للطلاب بوصفها مسعى مستمرا على مدار حياتهم، وليست مجرد مجموعة من المهارات اللازمة من أجل الأداء المدرسي، فسوف يتمّ تحقيق الغاية المتمثّلة في تنشئة أشخاص قارئين.
وتعتمد ميلر على تجربتها كقارئة ومعلمة في الوقت نفسه، وتجاربها مع طلابها ونجاحها في تحفيزهم على القراءة والتعلق بالكتب لدرجة الهمس بها، والاستمتاع بالحديث عنها وترشيحها للآخرين، وتدعو إلى متابعة رحلتها كقارئة والتدبر في ما تعنيه القراءة لقارئها. وتقول إن أفضل الدروس التي تعلمتها بشأن تدريس القراءة استقتها من طلابها. وتشير إلى إفساح المجال لكلماتهم بشأن عيشهم مع القراءة، والكيفية التي تمنعهم بها المدارس غالبا من أن يصيروا قرّاء، ترشد المربي والمعلم وتلهمه أسلوبه الخاص في تحفيزهم على القراءة بشغف ومتعة وبهجة. تحكي حكاية تأليفها لكتابها، وتذكر أنه الكتاب الذي تمنت أن تجده عندما كانت تتعلم كيفية التدريس، وأنها كانت بحاجة لكتاب يوضح لها كيفية ربط حبها للقراءة بتدريسها لها، وكيفية استخدام ما تعرفه بالفعل عن معنى أن يكون المرء شغوفا بالقراءة طوال حياته لتشجيع طلابها على القراءة، لكنها لم تعثر عليه قط. تقول إن أمها كانت كل عالمها، وهي التي أدخلت القراءة إلى هذا العالم، كما تقول إنها عندما تسترجع كيفية قضائها لطفولتها منكبة على قراءة الكتب على الدوام، تتساءل أحيانا إن كانت أمها قد ندمت على أنها حفّزتها على القراءة في سن مبكرة للغاية، وكانت والدتها تخشى من أن تصبح غير ناضجة اجتماعياً بسبب انهماكها في القراءة وحدها في غرفتها، لكن القراءة — على العكس من ذلك — كانت تربط بينها وبين أهم الأشخاص في حياتها، انطلاقا من زوجها ومرورا بأصدقائها. تصف ميلر نفسها بأنها قارئة تنتمي إلى تلك الفئة من القرّاء الذين يقرأون على ضوء مصباح الجيب تحت الأغطية، ويحملون كتابا معهم أينما ذهبوا، وأنها تختار حقائب اليد على أساس إن كان بإمكانها حشر كتاب ذي غلاف ورقي فيها أم لا، وتكون كتبها أول الأشياء التي تحزمها في حقيبة السفر. وتقول إنها ذلك الشخص الذي يتصل به أفراد الأسرة والأصدقاء عندما يحتاجون إلى ترشيح لكتاب يقرأونه، أو عندما لا يمكنهم تذكُّر من كتب رواية ما.
محور حياة
تلفت الكاتبة إلى أنّ هويّتها الشخصية شديدة التداخل مع محبتها للقراءة والكتب لدرجة أنها لا تستطيع الفصل بين الاثنتين، وأن شخصيتها هي نتاج الجمع بين كل شخصيات الكتب التي أحبتها بقدرِ ما هي نتاج الأشخاص الذين التقت بهم؛ وتذكر أنها تعرف من واقع خبرتها الشخصية أن القرّاء يعيشون حياة أكثر ثراء، بل ويعيشون حيوات أكثر من أولئك الذين لا يقرأون.
كما تؤكد أن هوسها بالكتب والقراءة هو محور حياتها، وعندما اختارت التدريس ليكون مهنتها الثانية بعد مهنتها الأولى كموظفة حسابات، دخلت صفها المدرسي وهي مقتنعة بأنها ستشارك طلابها هذا الشغف، وبصرف النظر عن أي شيء آخر يمكنها تقديمه لهم، كان بإمكانها منحهم حماسها للكتب. وتستدرك أن الأمر لم يكن بهذا القدر من السهولة.
تعرّف ميلر القراءة بأنها رحلة معرفية ووجدانية في الوقت نفسه، وأنها اكتشفت أن من واجبها بصفتها معلمة أن تعد المسافرين في هذه الرحلة بما يحتاجونه من أدوات، وتعلِّمهم كيفية قراءة الخرائط، وتوضح لهم ما ينبغي عليهم فعله عندما يضلون الطريق، لكن الرحلة تظل في النهاية رحلتهم وحدهم.
تحكي أنها عرفت كيف تلهِم القرّاء طيلة سنوات لأنها علمت ما جعل القراءة ملهمة لها. علمت طلابها ما لم يكن باستطاعة أي خبير في تعليم القراءة والكتابة تعليمه لها مطلقا؛ تراها تعلمهم أن القراءة تغيِّر حياتهم، القراءة تفتح لهم أبواب عوالم مجهولة أو منسية، تأخذ المسافرين من خلالها في رحلات حول العالم وعبر الزمن، القراءة تساعدهم على الهروب من قيود المدرسة والسعي وراء تعليمهم الشخصي، ومن خلال مختلف الشخصيات توضح لهم القراءة كيف يصبحون أفضل.
تشير إلى أن تبنّي الطلاب للقارئ الموجود بداخل كلّ منهم يبدأ باختيارهم للكتب التي سيقرأونها بأنفسهم. وتؤكد أن إتاحة الفرصة للطلاب لاختيار الكتب التي سيقرأونها بأنفسهم تمكِّنهم وتشجِّعهم، وأن الاختيار يزيد من ثقتهم بأنفسهم، ويحترم اهتماماتهم، ويعزز من موقفهم الإيجابي تجاه القراءة من خلال تقدير القارئ ومنْحه مستوى معينا من التحكم، وتقول إن القرّاء الذين يفتقرون لسلطة الاختيار بأنفسهم يفتقرون إلى الحماس.
تنوه كذلك إلى أن مطالبتها لطلابها بقراءة أربعين كتابا قد تبدو صادمة في نظر أي طالب لم يقرأ أكثر من كتاب أو كتابين في العام، وتجد أن هذا الفرض الثقيل يحُول دون تفاوُضِ الطلاب معها بشأنِ إن كانوا سيقرأون كثيرا، ذلك أن أي معلم يتوقع من الطلاب قراءة أربعين كتابا لن يقبل بكتاب واحد أو كتابين، وإذا توقع عددا أقل من الكتب، فسوف يقرأون أقل، أو سيؤجلون بدء القراءة إلى وقت لاحق من العام. كما تنوه إلى أن فرض القراءة يعرّض الطلاب لمجموعة متنوعة من الكتب والأنواع الأدبية، بحيث يمكنهم استكشاف الكتب التي قد لا يقرأونها عادة، وتطوير فهمهم للعناصر الأدبية، والملامح النصية، وبِنى النصوص لمعظم الكتب. وتجد أن التوسع في مجالات القراءة يوسِّع من معرفة القارئ بمجموعة متنوعة من النصوص، لكن هناك فوائد أيضا للتعمق في قراءة لون أدبي واحد فقط.
تشبّه الكاتبة صفّها المدرسي بكثيب النمل، فهو مفعم بالنشاط والحيوية، يعمل فيه كل طالب على نحو مستقل، ويكون الجميع متحدين في تحقيق غايتهم المشتركة، ألا وهي القراءة، وتعزز أصوات الطلاب الخافتة، وهم يهمسون بعضهم لبعض، من الشعور بالاجتهاد والعمل الهادف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى