أفكر بمعنويات الجيل الذي صنع الثورة
أفكر بمعنويات الجيل الذي صنع ثورة 26 سبتمبر وحماستهم.
إذا كان هناك جيل عبقري في تاريخ اليمن كله، فهو ذلك الجيل الذي صنع ثورة السادس والعشرين من سبتمبر.
والحقيقة أن اليمن لم تعش يمنًا واحدًا موحدًا إلا بعد ثورة 26 سبتمبر، وانتهى اليمن الواحد الكبير بانتهاء سبتمبر.
في كتابه اليمن الجمهوري، يتتبع الشاعر الكبير عبدالله البردوني خيوط الثورة اليمنية منذ الدولة السبئية.
على طول الخط التاريخي في اليمن، كان الإنسان يبحث عن قيمه التي تعبر عن ضميره ووجدانه، فكانت في النهاية أخلاق وقيم ومبادئ سبتمبر. لا شيء يشبه اليمني كما يشبهه أيلول 26.
كل شيء ما عدا أفكار السبتمبرية هو دخيل على البلاد. وكل مشروع غير مشروع سبتمبر هو مشروع دخيل وطارئ.
عاشت اليمن في تيه وتبعثر، وعندما وجدت سبتمبر وجدت نفسها. الذين فكروا بالثورة على الإمامة، وهو نظام حكم اليمن لألف سنة، هم عباقرة الزمن، فلاسفة لم نعرفهم بعد.
هذه البلاد تشبه سبتمبر كثيرًا. روحها سبتمبرية. ولن تعيش بسلام إلا وفق الحكم الجمهوري. من يقول غير ذلك واهم وكاذب، لا طوائف ولا أحزاب ولا هويات جديدة. كل هوية غير سبتمبرية هي هوية قاتلة، قلقة، متوجسة من ذاتها، سرعان ما تنهار، طال الزمن أو قصر.
كل المشاريع التي لم تنبثق من مشروع سبتمبر انهارت بشكل مريع بدون أي عوامل خارجية، لأنها أفكار لا تشبه ذاتها. وأي شعب لا يستجيب لهويته التاريخية يعيش في التيه والقلق الروحي والسياسي، يصارع نفسه وينهار في النهاية.
كل المشاريع التي نشأت بعد انهيار الجمهورية هي مشاريع قلقة. وحدها الكيانات التي تتشبث بفكرة الجمهورية راسخة، ولو بدت أنها جائعة وتعيش في العراء.
قد يبدو كلامي غير مفهوم لديكم، ولكن يا أصدقائي تلك هي الحقيقة، خلاصكم في سبتمبر.
أفكر بذلك الجيل، لم يأخذ حقه من الدراسة والبحث، أعني جيل سبتمبر، صانع الجمهورية. من هم؟ وأي ثقافة تشربوها؟ وأي حماسة سكنت أرواحهم الضامئة للحرية؟ ما هي أدواتهم لمغالبة الكهنوت؟ وكيف تغلبوا على إرث تاريخي كاد أن يتجذر منذ ألف سنة؟
إمامة اليوم ليست أقوى من إمامة الأمس، وجمهورية الأمس ليست أقوى من جمهورية اليوم. ولكن لماذا تستمر الإمامة في طغيانها مع كل ذلك؟
نور سبتمبر يطل علينا رغم العتمة، أَلقاً وضياءً، متفوقاً على كل الرزايا والمؤامرات التي ما كان لغيره أن يتخطاها، وفي ظروف بالغة التعقيد يمر بها الوطن جراء استمرار الحرب التي لم تفلح رغم ضراوة اطرافها بتقويض تطلعات الشعب الى السلام، ثورة خالدة نقلت اليمن من ظلمة الكهوف إلى رحاب العصر، وكان قربانها آلاف من أنبل وأشجع الرجال الظباط اليمنيين الاحرار من ابناء الشمال والجنوب والمصريين على السواء، لتصنع ذلك التحول في حياة الشعب اليمني وتخرجه من ظلمات الجهل والتخلف والاستبداد والظلم الى افاق العدل والمساواة والحرية والبناء ، ولئن كانت الآمال باسقة في بناء وطن مشمول بمضامين الأهداف الستة الجامعة إلا أن جناية الأنظمة الفاسدة التي فقدت بوصلة المشروع الوطني وتزاحمت على أرباح قاصرة كانت كبيرة بحيث وأدت تلك الطموحات، لكنها لم تئد مسارات الفعل الثوري لسبتمبر كخيار حتمي الضرورة وكواقع لا يمكن القفز عليه وكمسلمة بأن عجلة التاريخ لا تعود إلى الوراء وأن اية محاولة في هذا الصدد سيكون مصيرها حتما الفشل،
البعض يدّعون الصدق وسلامة النفس وهم يبطنون كرههم لثورة 26 سبتمبر ويعتبرونها انقلابا.. وفي ذات الوقت، يرفعون شعارات الجمهورية ويبتسمون للجمهوريين بلا خجل أو وجل.
فمن يحتفل بهذه الذكرى لا بد أن يمتلئ قلبه وتمتلئ وجدانه بقيمة عليا لا تنفك عن حرية هذا الشعب وكرامته، ألا وهي الوحدة اليمنية.
ثورة ال26من سبتمبر اعطت قُبلة الحياة للشعب اليمني عام62م ولايمكن العودة الى الخلف.. فلابد لليل ان ينجلي ولابد للجهل ان يختفي.
د/عبدالله عنان محمد سيف
في الاثنين، 23 شتنبر 2024, 12:06 ص Abdullah Enan كتب: