كتابات خاصة

العيش في حالة إنمحاء

جمال أنعم

يقول نيتشه: “ثمة أناس اذا ماتوا لا يصح أن يقال أنهم ماتوا لأنهم لم يعيشوا في الأصل “وكان يتحدث عن العيش ملء الزمن أن تعيش زمنك كله بكلك.

ولابن عربي في رسائل ما لا يعول عليه  “كل وقت محسوب عليك أولا لك ولا عليك لا يعول عليه ” وتعني أن وقتك ألذي تعول عليه هو المحسوب لك، ما من وقت ميت ولا وقت لميت ولابن القيم في “الفوائد ” ما يحيل على ذات البعد

اذ يقول :

ومشتت العزمات يقطع عمره

حيران لا ظفر ولا اخفاق

لا أقسى  من أن يفضي المرء الى لا شيء ،الى حالة صفرية عدمية  لا هو ظافر ولا هو مخفق . وما افظع أن يغدو مجرد شيء  بلا معنى ولا قيمة.

الحلم، والخيال، والتوق، ونشدان الأفضل والأحسن والأجمل وعدم الرضى بالأدنى والأقل وعدم الإستكانة لشروط القهر المكبلة  لطاقات الروح والعقل، والقلق الخصب الدافع الى التجديد والإبداع والابتكار ، والبحث الدائب عن المدهش والمعجز، كل تلك، إمكانات منحنا إياها الخالق ، كي نستمر في الخلق والتحليق  وصنع مصائرنا وأقدارنا   والارتقاء بالحياة والعيش في افضل الحالات.

أن تحلم، وترغب، وتريد، هي بعض رهانات الحرية.  اذ وحده” العبد من يؤجل رغباته حتى موت سيده “بحسب هيغل والعبد هو اختار الخنوع وعد حريته عبئا عليه.

في بلدان القهر والفقر تعمل آلة القمع على سحق الأحلام ومحاربة الخيال ، تفرض كوابيسها بالقوة وتطارد الحالمين، تتعامل معهم كوباء، تعمل  على إعطاب القدرة على الحلم ، تضرب المخيلة تنسف فعاليتها،  وتعيق نموها، تصيبها بالكساح، تفرض بلادتها، واكليشاتها،  وخطاباتها، المدمرة للروح  والوعي و للوجدان. تسخر  كل قواها من أجل صنع مخلوقات مدجنة، تابعة، مذعنة منسحقة , قابلة للتكيف والتأقلم مع كل الأوضاع اللا إنسانية كائنات شبحية , بلا  ملامح ولا أشواق  ولا طموحات في مقدورها العيش في الهامش, وفي القاع , ضمن الحيز  الممنوح, ووفق السقف المحدد, وبحسب  المفروض من القيود والحدود  والمواضعات  وتحت العسف والطغيان وكل  صور الإهانة والإذلال  برضى عبد مستكين ، لا يتذمر ، ولا يتأوه. ولا يبدي أي امتعاض.  مستلب لا حرية ولا إرادة  ولا كينونة ولا وجود متعبن وانما في  حالة انطماس كلي وانمحاء تام .

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى