الثقافة باليمن.. رهينة السياسة والقبيلة والطائفة
يعيش المشهد اليمني حالة استقطاب حادة تعلن عن نفسها عبر مظاهر شتى ومتنوعة، لعل أبرزها تلك التخندقات الثقافية التي تتنامى يوما بعد آخر، محولة المشهد الثقافي إلى جزر معزولة تفصل بينها حواجز تتقاطع فيها الخطوط السياسية والفكرية والمذهبية.
يمن مونيتور/ صنعاء/ الجزيرة نت:
يعيش المشهد اليمني حالة استقطاب حادة تعلن عن نفسها عبر مظاهر شتى ومتنوعة، لعل أبرزها تلك التخندقات الثقافية التي تتنامى يوما بعد آخر، محولة المشهد الثقافي إلى جزر معزولة تفصل بينها حواجز تتقاطع فيها الخطوط السياسية والفكرية والمذهبية.
وبين هذه الجزر تقتل عشرات المواهب تجاهلا وتهميشا تحت سطوة الشللية الثقافية التي لا ينتج عنها غير مشاريع واهية تعلي من شأن العابر النفعي على حساب الإبداع الحقيقي.
أبعاد مختلفة
ويشير أستاذ الأدب والنقد في كلية اللغات بجامعة صنعاء الدكتور حيدر غيلان إلى وجود أنواع عديدة من الشللية الثقافية في المشهد الثقافي اليمني، مؤكدا “تعاظمها بشكل هيستيري يكاد يعم المشهد الثقافي بكل تفاصيله”، لكنها تبرز بشكل أوضح في الأوعية الثقافية الأكثر حضورا، ومنها المؤسسات المعنية بإدارة الشأن الثقافي، سواء الرسمية منها والأهلية، والملاحق الأدبية.
ويشير غيلان -في تصريحه للجزيرة نت- إلى أن الشللية الثقافية حالة ملازمة للحراك الثقافي، وبالتالي هي موجودة في المشهد الثقافي العربي عموما، وأصدق تجل لها يبرز في المشهد الثقافي المصري، لكنها في الحالة اليمنية تنحو منحى سلبيا باستبعادها الأسس الفكرية والمنهجية في انتمائها غير الموضوعي الذي ينتج عنه في الأعم الأغلب توليفة مبدؤها التجانس النفعي لا الفكري.
ولا ينفي غيلان وجود أبعاد مختلفة لهذه الشللية، منها السياسي والمذهبي والفكري، لكن الملمح الأبرز لها يكاد يكون في قيامها على أسس النفعية السياسية أو المادية أو العلاقات الشخصية، مما يجلب للمشهد الثقافي أسماء دخيلة في كثير من الحالات، يأتي حضورها على حساب أسماء حقيقية يتم وأدها في الظل بسبب استقلالها عن دوائر الاستقطاب.
قبيلة المنتسبين
من جهته، يؤكد الشاعر الحارث بن الفضل عضو اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين أن الشللية بمفهومها الواسع دهمت الكثير من جوانب الحياة في اليمن كتكريس لثقافة القبيلة والمذهبية والفرز السياسي، وحتى المناطقية وغيرها من الثقافات التي تقدم معيار الثقة على معيار الكفاءة.
ويستغرب الحارث في تصريحه للجزيرة نت من تدثر كثير من المؤسسات الثقافية النخبوية بدثار الشللية، ويضرب مثالا على ذلك باتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين الذي نشأ صوتا مسكونا بالهم الثقافي، لكنه في الآونة الأخيرة تقوقع على ذاته ليصبح مكتبا حزبيا يمارس شلليته من خلال إغلاق باب الانتساب إليه أمام الأصوات الشابة من الجيل الألفيني، واقتصاره في منافحته عن قضايا الثقافة على ما يخص أعضاءه فقط، فهو بذلك قبيلة المنتسبين أولا وأخيرا.
ثقافة الاستبداد
ويعتقد الشاعر أحمد المعرسي أن الشللية الثقافية هي الاسم الحركي للاستبداد السياسي، وأن من يجسّدون هذا المفهوم في المشهد الثقافي اليمني هم أنصاف المثقفين الذين لا يملكون مشروعا فكريا قادرا على تقديمهم للمشهد كمثقفين حقيقيين، ولذا يعمدون إلى سد عجزهم المعرفي بتكتلهم في المؤسسات الثقافية، وكذا في الملاحق الصحفية المعنية بشؤون الثقافة.
ولا تخلو أماكن هؤلاء -يضيف المعرسي للجزيرة نت- من حس سياسي لخدمة جهة معينة، لذا يجسدون عبر المنابر التي يشرفون عليها البيروقراطية الثقافية ويحاولون تلميع أجندتهم التي يسعون لتحقيقها لغرض سياسي أو مادي، بالتزامن مع سعيهم الصريح في إخفاء الأصوات الثقافية الناضجة، كي لا تتأثر مصالحهم المادية، ومصالح الجهات التي وضعتهم على رأس تلك المنابر، ومن هنا يمكن القول إن المثقف في اليمن صار إلى حد كبير صدى للمشهد السياسي، وأصبح هامشا باهتا فيما أصبح السياسي هو المتن.