المصرف المركزي.. “البنك العجوز” الذي فقد هيبته داخليا ومهدد بالعزلة دوليا
يعيش البنك المركزي اليمني الخاضع لسيطرة الحوثيين في العاصمة صنعاء، في مرحلة لا يحسد عليها، ومع عجزه عن سداد رواتب جميع موظفي الدولة والدفع بعملة محلية تالفة، تتزايد المخاوف لدى قيادته من عزله دوليا، بعد إعلان الحكومة الشرعية عدم التعامل معه. يمن مونيتور/ وحدة التقارير/ خاص
يعيش البنك المركزي اليمني الخاضع لسيطرة الحوثيين في العاصمة صنعاء، في مرحلة لا يحسد عليها، ومع عجزه عن سداد رواتب جميع موظفي الدولة والدفع بعملة محلية تالفة، تتزايد المخاوف لدى قيادته من عزله دوليا، بعد إعلان الحكومة الشرعية عدم التعامل معه.
ويتوقع مراقبون، أن يكون شهر أغسطس الجاري، هو المحطة الأخيرة التي تسبق سقوط وتهاوي المصرف المركزي الأول لليمن، بعد عجزه عن تسديد رواتب الموظف في غالب القطاعات، وتوقف كلي للميزانيات التشغيلية للوزارات والمؤسسات الحكومية.
ومنذ نحو أسبوع، يكافح البنك المركزي لتوفير رواتب موظفي دواوين الوزارات الحكومية في العاصمة صنعاء فقط، وقال موظفون، إن انعدام السيولة، جعل البنك يلجأ لصرف رواتب أغسطس بعملة تالفة بشكل غير مسبوق.
ولجأ البنك، اليوم الإثنين، إلى نشر إعلانات على واجهة صالة الصرافين في قاعته بالمركز الرئيسي، يدعو فيها كافة المترددين إلى “عدم محاولة جره لصرف أي مبالغ خارج إطار الرواتب”.
وذكر مصدر في البنك لـ”يمن مونيتور”، أن التعليمات تحدثت أيضا عن عدم صرف “الميزانيات التشغيلية للوزارات والمؤسسات العامة في العاصمة”، وأكد أنه “إذا لم تجرِ تدخلات خارجية فمن المتوقع أن يشهد البنك انهياراً مالياً في القريب العاجل”.
وضربت أزمة السيولة البنك المركزي منذ أكثر من 3 أشهر، بعد أن واجه أزمة أكبر في العملات الصعبة والتي أدت إلى انهيار سوق الصرافة اليمنية وانعدام العملات الأجنية، التي وصل سعرها في السوق السوداء إلى مستويات قياسية.
ورفض عدد من مندوبي القطاعات الوزارية والجهات الحكومية، اليوم الاثنين، استلام رواتب شهر أغسطس الجاري، والتي أستطاع البنك توفيرها من فئة 100 ريال، وظهرت مهترئة بشكل كبير.
وشهدت كبائن الصرافة في البنك، اليوم، عزوفاً من قبل جميع مندوبي الدوائر الحكومية، ورفضهم استلام النقود الممزقة، وطالبوا البنك بتوفير عملة غيرها حتى يتم استلامها.
وقال علي الآنسي، مندوب القطاع الزراعي في تصريح لـ”يمن مونيتور”: لا يمكن أن استلم هذه النقود لأنها لا تقبل التعامل لشدة تلفها ويصعب التعامل بها في السوق المحلية”.
واضطر عدد من مندوبي المؤسسات للعودة إلى البنك من أجل إعادة النقود التالفة، بعد رفض موظفي تلك القطاعات استلامها والتعامل بها.
فساد رغم انعدام “السيولة”
في ظل الضربات الموجعة التي يتلقاها البنك المركزي مع انعدام السيولة والتعميم على جميع الجهات بعدم صرف أي مستحق بخلاف الراتب الأساسي الذي يحاول البنك الاستمرار في صرفه، تنتعش في أروقته روائح فساد، بصور مختلفة لم يسبق للبنك الوصول إليها.
وقال مسؤول الضمان الصحي في أحد المؤسسات الحكومية، وهو يحاول إخراج حافز للموظفين، لـ”يمن مونيتور”: “اضطررنا إلى إضافة اسم أحد الموظفين في البنك المركزي في الكشوفات الحافز الخاصة بنا على أنه زميل لنا، وكل ذلك لكي يساعدنا في انتزاع أحد مستحقات المؤسسة التي نعمل فيها”.
وأضاف، “لا يهم أن نقوم بتسجيل اسم أو اسمين في الكشوفات مقارنة بالخدمة التي سيقدمها لنا هذا الموظف في هذه الظروف، والموافقة على صرف مستحقاتنا بشكل سري ومن تحت الطاولة”.
ممارسات “كارثية”
لكي يحافظ على على عدم ترنحه وسقوطه المدوي، لجأ البنك المركزي إلى كل الطرق المشروعة وغير المشروعة، ولكنها كانت بمثابة المسكنات التي لا تزيل العلة.
وقال معاذ القرشي، وهو محلل وباحث متخصص في الشئون الاقتصادية لـ”يمن مونيتور”: “البنك المركزي من الناحية العملية استنفد كل تراثه الإداري وعلاقاته في سبيل الحفاظ على ميزان المدفوعات، ولكن لا يصلح العطار ما أفسد الدهر، فقد ورث تركة نظام فاسد وممارسات مليشيات جماعة الحوثي المسلحة التي لا تعرف أدنى الأمور في الجانب المالي”.
وأضاف، “كل هذا انعكس على وضع البنك، في الوقت الذي انعدمت إيرادت الدولة جراء الحرب، إضافة إلى الاجراءات التي اتخذت من قبل الحكومة الشرعية ومن قبل سلطة الأمر الواقع في صنعاء”.
وتابع، “الآن ورغم ما يحدث، ما يزال البنك واقفاً في الوسط بين شحة الايرادات وارتفاع أسعار الصرف، وبين الوضع الاداري غير السليم للبلد، وهو الأمر الذي سيجعل البنك عاجزا عن دفع مرتبات الموظفين إذا استمر الصلف من قبل الحوثيين ومن قبل الشرعية بوقت واحد.
وأكد القرشي، أن “الأمر يحتاج تجنيب البنك عن المهاترات السياسية ورفد الخزينة العامة بالمال دون التساؤل كثيراً من أين أو ربطها بالجانب السياسي والمعنوي”.
وأكد الباحث الاقتصادي في سياق حديثه لـ”يمن مونيتور”، أن “السلام هو الكفيل باخراج البنك المركزي من عنق الزجاجة”، وهو ما يتوجب اخراج اليمن من حفرة الصراع العقيم .
وبشأن الأنباء عن تحركات الحكومة الشرعية إلى العاصمة المؤقتة عدن، يرى القرشي، أن تلك الخطوة ليست حلاً، وتفتقر للآليات والبدائل، ولا يوجد تصور لكيفية ايصال رواتب الموظفين في كل المحافظات وهو أمر يفاقم من القطيعة الموجودة أصلاً.
انعكاسات خطيرة
واستبعد فؤاد نهشل، وهو أكاديمي بكلية التجارة والاقتصاد بجامعة صنعاء، نقل البنك المركزي إلى خارج العاصمة صنعاء رغم تصريحات رئيس الوزراء بنقله إلى محافظة “عدن”.
وقال نهشل لـ”يمن مونيتور”، إن النقل ستكون له انعكاسات خطيرة وسيتضرر المواطن اليمني في المقام الأول.
مستقبل مجهول
وما يزال مستقبل البنك المركزي اليمني مجهولا، ومنذ إعلان الحكومة الشرعية فك ارتباطها مع البنك وقطع التعامل معه، قبل أسابيع، لم يتم الإعلان عن أي خطوات لاحقه لذلك الإعلان، سوى اجتماعات حكومية لمسؤولين محليين في المحافظات الواقعة تحت سيطرة الحكومة، أعلنوا فيها تحركاتهم لزيادة الإيرادت وتأمين رواتب موظفي الدولة.
ولا يُعرف ما إذا كانت المحافظات المحررة قد بدأت بصرف رواتب أغسطس لموظفي الدولة من بنوكها الفرعية دون الانتظار من البنك المركزي الواقع تحت سيطرة الحوثيين، أم لا؟
وأكدت مصادر خاصة لـ”يمن مونيتور”، أن الحكومة لم تستطع بعد اقناع المجتمع الدولي وخصوصا صندوق النقد الدولي حول عملية النقل وخطط الحكومة لذلك، وأن الجدل ما زال يدور حول” السويفت كود” الخاص بالبنك المركزي الذي يتم عبره تحويل المنح والقروض والمعونات للحكومة اليمنية من الدول والمنظمات المانحة.