آراء ومواقف

وبعد الزواج ..

خديجة الوصابي

على محمل موج من الشوق الجارف بدئا ذلك الارتباط ، و بفرحة غامرة ملئت قلبيهما وأهليهما يوم أن تم ذلك الزفاف المنتظر لتصبح من ذلك اليوم تلك الصبية فرداً من الأسرة على محمل موج من الشوق الجارف بدئا ذلك الارتباط ، و بفرحة غامرة ملئت قلبيهما وأهليهما يوم أن تم ذلك الزفاف المنتظر لتصبح من ذلك اليوم تلك الصبية فرداً من الأسرة الجديدة، بعد أن أُغلق عليها وزوجها باب بيتهما الجديد ليبنيا أسرتهما السعيدة التي طالما حلما بها، وأصبحا روحاً واحدة تسكن في جسدين اعتبراه كياناً واحداً.. وتمرّ أيام شهر العسل يوماً تلو الآخر فإذا بذلك الشهر لا ينقضي إلا وقد حدث ما يعكر صفو تلك الفرحة ويقض مضجع ذلك الحب الساكن قلبيهما، وإذا بهما اثنين مختلفين بعد أن جعلهما العشق واللهفة روحاً واحدة، وإذا بالأيام والأشهر تمضي وبمروها يكتشفان مع كل مشكلة أنهما كائنان مختلفان يُصارع كلاً منهما الآخر ليجعله موافقاً لهواه لا لما ينبغي أن يكون عليه، جاهلاً لما يستطيع تغيره وما هو من قبيل الخاص الذي لا لأحد حق فرض سلطان أو هيمنة عليه وأن عليه احترامه وتقبله، وما هو من قبيل المشترك الذي ينبغي أن يكون مقدساً بينهما وأن يقوم على التفاهم والاحترام و الحب والعطاء والصبر و التضحية من كليهما..
ومع تفاقم موجة الخلاف وحب السيطرة لفرط الحب من دون وعي الذي يكنه كلاً منهما للآخر ، تقرر المرأة مزيداً من الانجاب لعل هذا ما يحافظ على زواجها ويجعل الرجل خاتماً بإصبعها، وقد يقرر الرجل مزيداً من الحزم على المرأة ليُخضع جبروتها الذي تريد له المرأة أن يترامى إلى ما يضر بزواجهما وما لا يعنيها ، وتارة يتعمّد كسر شموخ عزها بحبه، فيُشعرها بسهولة الاستغناء عنها ليجعلها خانعة غير قادرة على الاستغناء عنه ..
وبمرور الأيام والسنوات تكتشف المرأة أن الأبناء ليسوا مسامير تثبيت الزواج ولا أداة تحكّم وسيطرة، وأنهم ما زادوا عليها إلا حِملاً ثقيلاً ، و تزداد الصدمات جراء اتساع الهوة بينهما، ليُلقي أحد الشريكين أو كلاهما بوابل من الاتهامات على الآخر، مُحملاً إياه مسؤولية كل المشكلات وكل ما آلت إليه أسرتهما من شقاق، يُسرف أحدهما أو كلاهما في تحدي الآخر، فتحدى الزوجة يأخذ أشكالاً متنوعة منها استنزاف أموال الزوج والأسرة في متطلبات لها وللأبناء وللمنزل تعد من قبيل الرفاهية الزائدة، كما يأخذ شكل تحريض الأبناء على والدهم، ومن قبل الزوج على والدتهم.
وبينما هما يتبادلان تقاذف رصاصات الكلمات كالعادة كُلاً يوجه رصاصاته نحو الآخر، أحدهما يتهم والآخر يُدافع، يتهم ليُعبر لشريكه عن حجم الحب الذي قدمه لهُ وحجم الأسى الذي لحق به من حياته معه غير مُدرك أن تلك الكلمات المحملة بالمنّ والتهديدات والإهانة والنكران إنما هي طعنات من الخناجر المسمومة في مقام ذلك الحب، قصد بها إخضاع شريكه له فإذا به يُفاجئ بالنهاية لإيقاف ذلك النزيف في قلب الشريك الذي أحدثتهُ طعناته ..
و افترقا بعد أن بعد أن أتت نيران مشاعر الغضب والنكران والاتهامات والتحدي على كل حديقة حبهما حتى أحرقت منزلهما الساكن فيها، فأحالت كل شيء إلى رماد ، من جراء ذلك الجهل الذي جعل من الحب العارم وسيلة للأخذ لا المبادرة بالعطاء، فالحب كما يقول أوشو: الحب هدية كلما اهديته أكثر كلما امتلكته أكثر، والحب كما تقول أحلام: وجد لنتحدى به العالم لا لنتحدى به من نحب بل وجد ليبني ويجمّل ويسند لا ليهدم ويبشع ويدّمر..
افترقا بعد أن أصبح العيش بينهما لا يجلب لهما ولأبنائهما الحيارى والتائهين بينهما سوى مزيدا من الدمار، واصبح الفراق هو الحل الأمثل ليتخلص الأبناء من أرق المشكلات، وليحفظ الشريكين ما بقى من روحهما ويحاول كلاً منهما استجماع قواه، ليتمكن بعد ذلك من استكمال مسيرة حياته في طريق اخر على هُدى و وعي ، بعد أن أغلقا الباب في وجه عاصفة حب أعمى البصيرة..
لاشك هي مرحلة شديدة الإيلام، إلا أنها ليست النهاية ( وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِّن سَعَتِهِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا (130) النساء
تُرى من يتحمل مسؤولية تعالي صخب المشكلات المتنوعة في الأسر التي لا يقف عنف تدمير كثير منها إلا بالانفصال..؟
هل هي مناهج التعليم التي لم تهتم بخلق وعي حول أحد أهم مؤسسات الدولة في مجتمعنا العربي والمسلم ألا و هي مؤسسة الأسرة ..؟
أو لعله الفكر الديني المتشدد لدى بعض الجماعات، ذلك الفكر الذي يريد حبس المرأة في المنزل، فيظل تفكيرها كله منصباً على الرجل نتيجة لفراغها وخلو حياتها من أهداف اخرى تثبت بها ذاتها، فما عاد لها سوى زوجها لتفكر به ليل نهار وتحاصره بمراقبتها واسئلتها وغيرتها وتضيق عليه الخناق فهو هدفها الذي تحارب كل شيء من حقه ، والشيء الوحيد الذي تريد أن تُثبت بامتلاكه نجاحها ..!
هل هو الجهل بآلية الحب وكيفية الحفاظ على وهجه، والجهل بطبيعة الحياة الزوجية ؟
أم هو استبداد الرجل ..؟
أو هي أنانية المرأة وتسلطها على كل شيء في حياة الرجل ..؟
هل هو ضعف المبادئ والقيم ..؟
أم هو كل ذلك ..؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى