آراء ومواقف

الخطيئة صالح

جمال أنعم

كان بإمكانه أن يختصر معاناته. وألا يبالغ في الافتضاح. كان في وسعه أن يحرمنا من هذه الفرجة. مشاهدة عروضه الأخيرة المسفة الغبية. كان بمقدوره أن يخفف عنه وطأة الشماتة.
كان بإمكانه أن يختصر معاناته. وألا يبالغ في الافتضاح. كان في وسعه أن يحرمنا من هذه الفرجة. مشاهدة عروضه الأخيرة المسفة الغبية. كان بمقدوره أن يخفف عنه وطأة الشماتة.
خسر صالح امتيازات الرحيل المبكر. أهدر فرصة السقوط دفعة واحدة وبأقل خزي ممكن. رؤيته يتلوى لأطول فترة ممكنة أمر منصف. بعد هذا العمر المديد من الانتفاش. أن تراه مستجديًا ضحاياه. متسولًا إشفاقهم. مشتريًا ساعة احتشاد تكفي لالتقاط بعض الصور وإجراء حوار بائس يعاود فيه دلق خيباته وذكر خطايا الآخرين في حقه، في مطالبتهم بالتغيير واستعجالهم رحيله رغم زهادته في الحكم. لهذا يطيل أمد معاناتهم على هذا النحو كعقاب مستحق.
لم يعد لديه من يؤدي المهام الحقيرة. لذا يقوم بها بنفسه. هذا رجلٌ خطر. الاقتراب منه فضيحة يكلف مخدوميه الآن اقتراف خيانات لا يمكن تبريرها. جرائم لا يمكن مكافأتهم عنها.
يختار صالح الرحيل مثقلًا بكل الآثام والمخزيات.
وفي صراعه اليائس من أجل البقاء، استنفد حيله كاملة: خبراته الشائخة في الكيد. ألاعيبه المستهلكة. خدائعه الصغيرة. خطاباته البلهاء وأحاديثه المكرورة. وبقايا الدولة التي صنعها لنفسه كي يحارب بها البلاد والعباد. ويهدد الآخرين صالح عبءٌ كبير على اليمن وعلى المجتمع العربي والدولي. يقين عام انحسم باكرا.
لم يكن لأحد أن يشارك في إطالة أمد هذه الخطيئة. وما زال مذ كان مشكلة اليمن الكبرى المستعصية على كل الحلول والمعالجات.
عاقبت نفسها اليمن بما يكفي بطول الصبر عليه. وقررت في فبراير ٢٠١١م أن تعتذر لذاتها. بالثورة الشبابية الشعبية السلمية. تمزقت الصورة الشائهة سقطت عقود الهوان. استعاد الشعب روحه كاملة. استعاد صوته. صورته. نبله. أغانيه. أمانيه أحلامه البيضاء المجنحة. أشواقه الرفرافة. استعاد وحدته. دفئه. حميميته. حسه الغامر بالحياة. أشواقه الفتية حضوره الكريم. عنفوان العصور وأمجاد الحقب التليدة.
تدفقت اليمن كل يوم مسيرات هادرة. بحماس ثوري متصاعد. مليونية. إثر مليونية تحسم أمر رحيل صالح. تكنس ما تبقى من قلق الشوارع ومخاوف الأحياء. تنزع ما يسكن القلوب والجدران من محاذرة وتردد.
وقف اليمن الحي في مواجهة ماضيه الميت. خرج الوطن الغض الفتي الشاب في مواجهة أمسه الشائخ المهترئ.
كان صالح قد اتخذ من ميداني “التحرير والسبعين ” بصنعاء ساحتين رئيسيتين لتحشيد مستلبيه ضد مصالحهم في التغيير بحثا عن مشروعية جماهيرية ساندة تقيه النبذ والمقت العام.
وما زال تحشيد السلطة للناس للخروج ضد حقوقهم وحرياتهم وكراماتهم من أبشع مهازل الحكام الآيلين للسقوط.
هاهو صالح يعاود مع الحوثيين استثمار كل العاهات والتشوهات التي صنعها في حياة اليمن واليمنيين. وهاهو يواصل الإمساك بخناقهم بقدر ما تركوا مصائرهم في يده.
نقلا عن الشرق القطرية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى