كتابات خاصة

الدولة المدنية في ميثاق علماء اليمن

عدنان هاشم

يُفهم من حالة القلق التي تنتاب “الثوريين” والحالمين بـ”يمن جديد” من تجمعات التي تعلن المواثيق أوتلك اللقاءات “الدينية” الموسعة، فهم يعتقدون أن هذه المواثيق هي بديل للدولة المدنية اليمنية، وهو قلق يبعث على الثناء لا السخط في كل الأحوال.

 
الدولة المدنية في ميثاق علماء اليمن
عدنان هاشم
يُفهم حالة القلق التي تنتاب “الثوريين” والحالمين بـ”يمن جديد” من تجمعات على هذه النوعية من المواثيق واللقاءات “الدينية”، فهم يعتقدون أن هذه المواثيق هي بديل للدولة المدنية اليمنية، وهو قلق يبعث على الثناء لا السخط في كل الأحوال.
لكن في ميثاق علماء ودعاة اليمن الذي وقع مؤخراً من 70 داعية وعالم من مناهج ومدارس إسلامية مختلفة، ليس بتلك الصورة التي تُرسم، فالميثاق ليس بديلاً عن الدستور ولا عن مخرجات الحوار الوطني، وليس من هذا كله سوى تلك الحالة القلقة المُثنى عليها. فالميثاق يعمل تحت الدستور المرتقب ومخرجات الحوار الوطني، ولن يعارضوه مطلقاً، فالنظام الداخلي لتنظيم وشركة لا يعني أن منافاته لدستور البلاد وقوانينها بل يعمل في ظلها وإنما النظام أو الميثاق هو برنامج عمل ومحددات بناءه.
اليمن بلد تعيش على خط دقيق من توسع للطائفية، المُطلع على الشأن الإيراني، قد يفهم جزئياً ما تدبره تلك البلاد لليمنيين، تحتاج أن يتحول الحوثيون إلى مظلومية كأقلية تُحكم تتعرض لهجوم “وعظي” طائفي، لإعادة انتاج تجربة “حزب الله-حركة أمل” الشيعية التي خاضت حروباً أهليه في لبنان البلد المتعدد الأقليات، حتى تصل الحلول الدولية لليمن وفق “الحصة السكانية”، ليحصل الحوثيون كأقلية “شيعية/زيدية” على الثلث المُعطل في أي توافق وانتخابات قادمة؛ تكون لهم حصة الثلث من كل ما يريدونه، إلى جانب بقاء السلاح معهم خوفاً من اضطهاد الأكثرية، وهو منظور دولي مهووس بفكرة “الأقليات” دون أي اعتبار للضحايا الذين يسقطون من الأكثرية وكأنهم ليسوا بشراً!
بالعودة إلى ميثاق علماء اليمن، فمن الواضح أن الميثاق يحدد كيفية ترشيد الخطاب الوعظي/ الديني، بما يحافظ على توحيد الصفوف، حتى مع ذكر المادة 30 التي تتحدث عن ذكر آل البيت، والذي تحدث بعد ذلك أنه جرى حذفها، لكن يجب معرفة أن الكثير من اليمنيين من “العامة” يعتبرون ما جاء في المادة صحيحاً، وانتقاصها هو انتقاص لمعتقداتهم، نحن نتحدث عن “معتقدات” ليمنيين بغض النظر إن كانت صحيحة أو خاطئة، لكنها لا ترقى لأن يكون لتلك المواد أو للميثاق دخل بالحياة السياسية والمدنية بما في ذلك بناء الدولة اليمنية المنشودة أو دستورها.
لذلك فالميثاق هو حالة من تنظيم العلماء لترشيد خطابهم الوعظي، خوفاً من تصاعد حدة الخطاب مع بدء الاستقطاب قبل مرحلة الاستقرار ليدخل اليمن في مرحلة جديدة من “لا استقرار دائم” تغذية الطائفية المُفتعلة، وكراهية توحيد خطاب من هذا النوع يضعنا في مُشكلات رئيسية لا يبررها “القلق” من عودة “الدكتاتورية الدينية”، لكنه سيغذي حالة التفرقة والتشتيت وتصاعد الخطاب الطائفي، الذي ظل الفترة الماضية يتغذى مستتراً من الجانبيين واقترب ظهور الفرز والتصدعات في المجتمع، معتمداً على تلك التغذية.
المعروف- جيداً- أن علماء اليمن واليمنيين عموماً لا يعترفون بوجود “طائفية” أو تعدد “مذاهب” في البلاد، وحالة الإنكار تلك بالرغم إنها صحية في حالات معينة إلا أن عدم الاعتراف بوجودها هي الأكثر خطورة، حتى وإن كانت لم تظهر إلى السطح بشكلها “المخيف” و”البشع” طوال التاريخ الحديث لليمن، لكن ميثاق العلماء هو اعتراف بوجودها وتخوف من استمرار تغذيتها، وهذا الأمر يُثنى عليه لا يتم استنكاره.
الحالة الصحية في نشوء الجدال بين النخبّة اليمنية، هو تأكيد أن “حُراس مبادئ الجمهورية” يتكاثرون ولن يسمحوا بعودة “الكهنوت” مهما كانت صورة، ولأجل ذلك فالميثاق يرسخ مبادئ هذه الجمهورية ويمنع انجرار الفوضى نحو العمق، إن أنجزوا ما عدوا به كان “خيراً” موقفاً وطنياً هو عليهم، وإن انحازوا بعيداً فالحُراس سيقفون لهم، لكن الأهم والأسلم هو الترحيب بها كما تبدو عليه ولنترك مسألة نواياهم-جميعاً- للمستقبل الكفيل بدفن أي توهمات لعودة “الكهنوت”.
الميثاق لمن أراد الاطلاع عليه، هنا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى