الاغتيالات المُمنهجة، التي يتعرض لها قادة وكوادر حزب الإصلاح في اليمن، والتي تُديرها وتُشرف عليها أطراف خارجية، وثيقة الصلة بالملف اليمني، وبتحالف صالح الاغتيالات المُمنهجة، التي يتعرض لها قادة وكوادر حزب الإصلاح في اليمن، والتي تُديرها وتُشرف عليها أطراف خارجية، وثيقة الصلة بالملف اليمني، وبتحالف صالح والانقلابيين، لا تستهدف بالدرجة الأولى الإصلاح كحزب، وإنما كفكر وكمشروع وطني جامع لكل اليمنيين، خُصوصاً أن تلك الأطراف لا تُخفِي عداءها الصريح لهذا الفكر الإصلاحي، في الكثير من الدول العربية والإسلامية.
عندما وُلدت التعددية السياسية في اليمن، بُعيْدَ تحقيق الوحدة اليمنية عام 1990م، كان “الإصلاح” هي المُفردة التي خاطب بها حزب الإصلاح جُموع الشعب اليمني آنذاك، من أقصاه إلى أقصاه، وكانت هي رسالته الأولى، التي تقدم بها إلى شعبه العظيم، عبر تلك الكرنفالات والأعراس الديمقراطية، التي جابت المُدن والأرياف، لتصبح بعد ذلك هي البرنامج والمنهج، بل ووثيقة العهد، والعقد المُبرم -لا أقول بينه وأنصاره فحسب- وإنما وجُموع الشعب اليمني ككل.
كان حزب الإصلاح يومها صادقاً في ترحيبه بخطوة التعددية في اليمن، كما كان جادّاً في تبنيه للخيار الديمقراطي كأسلوب حضاري يُشْرَكُ فيه الشعب باختيار ساسته وحاكميه، بينما كان نظام صالح الشمولي يراه مُجرد لعبة مُسلية، يضحك بها على الشعب من جهة، وعلى حكومات العالم الغربي من جهة أخرى، تلك الحكومات التي كشفت لنا الأيام عن أنها ليست هي الأخرى أكثر تحضُّراً ولا ديمقراطية من نظام صالح ذاته، أو أي نظام عربي شُمُولي.
التقط قطاع واسع من جماهير الشعب تلك الرسالة، وفَهِمَها على أنها إيذان ببزوغ فجر جديد للحرية، وطريق حضاري لإصلاح كل ما أفسده النظام الشمولي والعائلي، فالتحق بذلك الركب، وخرج بمئات الآلاف يجوب شوارع المدن والقُرى، دعماً وتأييداً لمسيرة الإصلاح في البلد، بكل مناحي الحياة المختلفة.
أثار ذلك الالتفاف الشعبي الواسع حول فكرة الإصلاح حفيظة صالح وأركان حُكمه الشُّمولي، لكنه كان مضطراً للتعاطي معه، كواقع أفرزته حداثة التجربة، التي لم يشأ منها هو سوى تجميل نظامه شكلاً ليس إلا، بينما شاءت منها الجماهير الإصلاحية أن تكون مضموناً جاداً، ومشروعاً حقيقياً للإصلاح والنهوض بالوطن.
من يومها أصبح “الإصلاح” عدواً لدوداً لنظام صالح الشُّمولي، وهنا لا أعني بالضرورة “الإصلاح” كحزب، وإنما كفكر وكمشروع وثقافة، بدأت تعُم جماهير الشعب حينها، بضرورة المشاركة في مسيرة الإصلاح للدولة ومؤسساتها، كما وإصلاح نظامها المُتخم بالشمولية والفساد، عبر مسار سلمي حضاري، ووفق قواعد اللعبة الديمقراطية الوليدة.
كان صالح يُدرك خطورة تنامي ذلك المشروع عليه وعلى أركان حكمه، لكنه بذات الوقت كان يُدرك أكثر أن على رأسه قادة تقليديين، تغلبُ عليهم نزعة الحماس الديني والاندفاع العاطفي، مع تواضع في الخبرة السياسية، أو لنقُل افتقاراً إليها بمعنى أكثر دِقة، فعمل على استغلال تلك الثغرة، وتجييرها لخدمة أجنداته، ونجح في ذلك إلى حد بعيد، خُصوصاً أنه كان قد خَبِرَهُم جيداً فيما عُرف بحرب الجبهة في عام 1979م، يوم ذهبوا إليه “بكل براءة”، ولا أريد استخدام مُفردة غيرها تأدباً، عارضين عليه المدد في الحرب المُقدسة على “المُلحدين”!، فكان ذلك له بمثابة هدية السماء، وطوق النجاة، من هلاك محتوم.
البراءة ذاتها تكررت في حرب صيف 94م، بذات الانفعالات، وبنفس النزعة الدينية، والاندفاع العاطفي، ومن دون أي مقابل سياسي، أو مواقف تفاوضية، والنتيجة لا شيء، سوى مزيد من المكاسب لصالح ونظامه الشمولي، ومزيد من الخسائر والنكبات لمشروع الإصلاح والنهضة في البلد.
لعلَّ قيام تكتل اللقاء المشترك في فبراير/شباط من عام 2003م كان هو البُرهان على تطور الوعي السياسي لدى تلك القيادات أو بعضها على الأقل، ومعها قيادات معظم أطراف المعادلة السياسية في اليمن، ذات الاتجاهات الأيديولوجية المختلفة، وكان صمُوده الطويل لأكثر من ثماني سنوات بمثابة التعزيز العملي لذلك النضج والوعي، وهو ما مثَّل أول خطوة سياسية هامة وصحيحة باتجاه مشروع المصالحة بين مكونات الأحزاب الهامة والفاعلة أولاً، كما كان تعزيزاً لمسيرة الإصلاح الشامل ثانياً، الأمر الذي شكل ضربة قوية وحقيقية لصالح وأركان نظامه؛ ليحصل بعدها ذاك الطلاق البائن بينه وبين قيادات حزب الإصلاح.
ما يحصل اليوم لقيادات ذلك الحزب الكبير ولكوادره وأنصاره، من اغتيالات واختطافات، ولمَقرَّاته من هدم ونهب وسلب، هو نتاج طبيعي لذاك النهج الإصلاحي، الذي اختاره لنفسه منذ اليوم الأول لولادته، وعندما كان الشباب المتعطش للحرية يسارع إلى الالتحاق به، والانضمام إليه، لم يكن يفرش لهم الورود، أو يُدلِّس عليهم بمعسول الكلام وبالوعود، ولم يُدغدغ عواطفهم الدينية؛ كي يستخدمهم مُجرد وقود، كما يزعمُ بعضُ المفترين.
كل الذين التحقوا بركب مسيرة الإصلاح كانوا يُدركون جيداً أن طريقهم سيكون محفوفاً بالمخاطر ومزروعاً بالألغام، “هذا ما تقوله كل أدبياتهم”، وكانوا يعلمون كذلك بأنهم سيدفعون الأثمان باهظة، وهاهم يفعلون، لكن الأهم من ذلك كله أنهم كانوا على يقين تام بأن الإصلاح سيمضي قُدماً، لا تهزُّه الرياح، ولن يُضِيره أبداً، من لا يجيدون سوى العُواء والنُباح.
نقلا عن هافينغتون بوست عربي