كتابات خاصة

القيود الناعمة

فكرية شحرة

وأنا أقف صباحا أمام النافذة كان كل شيء خارجها يدعوني للانطلاق, الهواء العليل, والشمس الباردة, والخضرة التي تملأ الأفق.

وأنا أقف صباحا أمام النافذة كان كل شيء خارجها يدعوني للانطلاق, الهواء العليل, والشمس الباردة, والخضرة التي تملأ الأفق.
تمنيت ارتداء حجابي والخروج سيرا على قدمي حتى أصل هذا الأفق فيوقفني التعب, لكنني تذكرت أكوام الأعمال المنزلية اليومية وتذكرت حجم المسئولية لتواجدي بالذات كأم, إذ لا يمكن أن أترك كل شيء خلفي والكل يعتمد على وجودي.
إنها القيود الناعمة الخفية لحرياتنا الصغيرة الحالمة..
لا أظن أن هناك قيمة وحق أعظم من الحرية، وليس بالضرورة أن يكون حرمانها عندما تصبح مقيداً في سجن سياسي أو بوجود حاكم جائر أو داخل معتقل للأحرار.
قيود الحرية كثيرة وخفية حتى لتكاد الحرية أن تكون نقطة بيضاء مشعة في لوحة من كتل قيود الحياة القاتمة.
كثيره هي القيود الخفية التي لا ندركها إلا في لحظة انفجار..
البيئة المعقدة قيد, والوضع الذي أنت فيه قيد آخر, روتينك اليومي قيد ممل, مسؤولياتك والتزاماتك قيد معضل, حتى عاطفتك وقلبك قيد خفي وناعم جداً.
تفكيرك الذي تشوبه الأخطاء المتوارثة، قيد عسير.
كل هذا يحرمك أبسط مظاهر الحرية التي تلوح لخيالك كومضات أحلام خاطفة وبسيطة لا تضر بغيرك ولا تفسد توازن الكون حولك، بقدر ما يضر فقدانها بنفسك ومزاجك وبليونة واسترخاء أعصابك.
هذه القيود الناعمة والخفية هي التي تؤهلك عقليا للخضوع الكبير لقيود أكثر خشونة ومصادرة لحريتك فعلا, هي التي تسكّن انفعالاتك إزاء كل موقف حياتي يمس كرامة الإنسان بطريقة أو بأخرى, إنها تأسرك إليها بطريقة الواجب والاهتمام والانتماء  و من أجلها تظل رهين قيد الخوف أن تتأذى أو تصاب بسوء إن اهدرتها أو فرطت فيها أو عرضتها للخراب والانتهاء .
القيود الناعمة تدجين مشروع بالرضا لقسمة القدر لك, فهناك من يجد في مستقبل عمره أن مصادرة حقه في العيش حراً هو قدر أيضاً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى