لا أدري لماذا يخوض البعض في نقاش وجدال بمسائل جانبية فرعية ونولي لها اهتمام بالغ، بعيدة عن الوضع القائم والتطور المستجد على مختلف الأصعدة. لا أدري لماذا يخوض البعض في نقاش وجدال بمسائل جانبية فرعية ونولي لها اهتمام بالغ، بعيدة عن الوضع القائم والتطور المستجد على مختلف الأصعدة والذي لا بد ان يواكبه اهتمام اولي، بقدر اهتمامنا بقضايا ليست من نطاق مشروعنا وأهدافنا التي تتمحور ضمن مسار استعادة الشرعية وانهاء الانقلاب.
هناك توجهات خاطئة لماكينات إعلامية مضادة تعمل على إثارة قضية جانبية، ليست هدف في مسارنا واولوياتنا، بيد انها تنجح في أغلب الأحيان للايقاع بنا في فخ الاستهلاك الاعلامي، وتغيبنا عن تغطية أهم المسائل والقضايا الاساسية، ومواكبة التطورات وإسناد ودعم المقاتلين في الجبهات بمختلف الوسائل والامكانات المتاحة الذين لم نستطع أن نكون على قدر المسؤولية الكاملة والمطلوبة لمشاطرة تضحياتهم، رغم اجتهادنا في ذلك بدافع قيمي واخلاقي ووطني، وبجهود ذاتية فردية. لكن ليس بتلك الصورة المتكاملة .
فالمخلوع على عبدالله صالح لم يحكم ثلاث عقود من فراغ.. فقد كان يحصن نفسه ونظامه وحكمه وفساده المتجذر عبر ماكينة إعلامية متكاملة.. تعرّف من نافذتها على كل الشعب، وقراء فنجان واقع وبُعد وفكر كل فرد بالمجتمع، وذلك عبر رمي حجر النرد نحو فئات اخرى، وخلق قضايا لا معنى لها بل وإثارتها واحداث جو صراعي في احد زواياها.. حتى تتحول في نهاية المطاف الى قضية رأي عام في الاوساط المجتمعية المحلية والدولية غالباً، وتمكن من التوغل والتجذر في الدولة العميقة .
وللأسف لا زالت الماكينات تعمل، وتنجح في مسيرتها، وتستخدم الاسلوب نفسه. والغريب بنفس الوقت وبكل غباء، انجرارنا نحن إلى استهلاك ذلك بل وتضخيمها وتصديرها مشهد القضايا. والشيء المخجل أن ينجر الرئيس هادي وشلته ونخبته السياسية وماكينته الاعلامية الفاشلة ويقعا في مستنقع الغباء.
وأبسط تلك النماذج التي سار على طريقها المخلوع طيلة فترة حكمه هو موضوع انشاء “المجلس السياسي الأعلى” وانعقاد مجلس النواب، بيد أن المخلوع والحوثي يستخدم أدواته وماكينته لقياس ردة الفعل، واشغال الجميع بخطواته التي هي ليس من باب انتقاد أو استهزاء وإنما من اهتمام ومحور أساسي، وإن كان هناك تعاطف من المجتمع الدولي اتجاه ذلك، لكن ما ليس معروفاً لدى الرئيس هادي أن يضل يمارس عادته الدائمة في النظر إلى خطوات الانقلابيين المعاكسة، بل واعطائها أكبر من حجمها، وتكريس الهجوم الخطابي والمناشدات الجوفاء، دون الوقوف بجدية في اجراء خطوات مضادة تقوي من تمركز الشرعية وحضورها، وابداء جدية فعلية لملمة الوضع، وفرض أمر واقع كجهة تتمتع بتحالف عربي، ومعترف بها دولياً.
ولو توقفنا هنا عند نقطة معينة فقط دون الخوض والتفرع في مسائل اخرى والتي هي تابعة، فإنها بطبيعة الحال تعد نقطة مهمة وفاصلة في هذه المرحلة والوضع وهو الجانب الاعلامي الذي عمل من خلاله المخلوع صالح على ممارسة كل أشكال الدولة والأعمال الاخرى من حيث التوغل في مؤسساتها وإثارة القضايا وإحداث الخصومية المجتمعية والحزبية، والنزاع القبلي، وتلفيق التهم وزرع الفتن، بينما تضل العوامل الاخرى بشتى تفرعاتها مساعدة لتلك النقطة الأساسية باستثناء النقطة التوازنية الاخرى وهي سلطة الجيش.
لا يقتصر الأمر عند تلك النقطة، فقد تمكن المخلوع من خلال تلك الماكينة أن يتوغل ويتجذر في الدولة، وصاحبه بعد ذلك إلى انشاء منظومات حماة متكاملة مؤسسية لنظامه وحكمه وتوسع نطاق اجتياحه، عبر شبكات وماكينات قبلية وعسكرية وأمنية واقتصادية حتى تمكن من تحصين نفسه بشكل كبير وأوجد تفرع وهيكل وخلايا نائمة داخل الدولة نفسها.
لكن على الصعيد الآخر بالنسبة للماكينة الإعلامية فقد أنفقت عليه الشرعية مبالغ هائلة بينما أدائه هشّ ورديء، إن لم يكن غائب بشكل كبير، وما تقوم به بنسبة ضئيلة ينخرط خارج إطار التوجيه لأجل قضية وهدف ومشروع، ويندرج ضمن نطاق الجدالات الفرعية التي يخلقها ويوظفها المخلوع من أجل الخوض في استهلكها.
وذلك يأتي نتيجة سوء التقدير والتوظيف والارادة والقضية التي لم تتضح بعد لدى الشرعية نفسها وأدواتها في الرياض، يتمحور في ذلك أداء هادي بشكل انتقائي وانتهازي دون جدية الموقف والمرحلة، ومواكبة التطورات والملفات الأولية، والخروج من عزلة التردد والانكماش، والاستشعار بحجم المسؤولية الملقاة على عاتقه كرئيس للدولة والشرعية وممثل لها كما يدعي ونحن كذلك وللأسف الشديد.