الوضع المعيشي المنهار يجبر اليمنيين على بيع أثاث منازلهم والاكتفاء بالشيء اليسير!
يمن مونيتور/ إفتخار عبده
في الوقت الذي يتصارع فيه الساسة على مقاليد الحكم في اليمن.. هناك الكثير من أبناء هذا الوطن المغلوب من ضاقت عليهم سبل العيش وباتوا لا يجدون ما يأكلونه.
يوم بعد يوم والعاجزون ينتظرون فرجًا من الله ورحمةً ممن يصفون أنفسهم بأنهم رعاة الوطن، لكن الواقع يفاجئهم بمزيد من الحرمان، بمزيد من الغلاء الفاحش وضنك العيش.
اليوم في ظل الانهيار الاقتصادي المتواصل والغلاء المعيشي غير المسبوق، يتخبط الكثير من أبناء الوطن باحثين عن سبيل يدخلون منه كسرة خبز وقليل من الزيت، يقضون بها نهارهم بعيدًا عن قرقرة البطون ومغص الجوع.
ما كان يتوقع الإنسان اليمني أن تصل به الحال إلى أن يبيع أثاث منزله، ذلك الأثاث الذي يراه كواحد من أبنائه، كيف لا وهو من جمع الريال على الريال واستمر شهورًا وسنينًا حتى تمكن من شرائه، وكان يحافظ عليه كثيرًا، يخاف أن يصيبه البلى فيصاب قلبه بالحزن الشديد.
يوم عصيب، يوم الجحيم، هكذا يصف محمد اليوسفي، ذلك اليوم الذي اشتد فيه مرض ابنته ذات العشر سنوات إثر إصابتها بحمى الضنك، وهو لا يجد في جيبه من المال ما يوصله إلى المستشفى ولا يوجد في بيته كسرة خبز يسكت بها بقية الأطفال، أراد أن يستلف من أصدقائه، لكنه تذكر أن الذين يألفهم ويقدر على إخبارهم بحالته المعيشية، جميعهم قد استلف منهم ولم يستطع بعد رد المال الذي استلفه منهم.
بقي اليوسفي حائرًا، تدور في رأسه ألف فكرة وفكرة وجميعها لا تأتي إليه بنتيجة غير الخذلا ن فتلفت يمينًا وشمالًا ولم يرَ أمامه إلا أثاث منزله الذي تعب كثيرًا في توفيره، قرر أن يذهب لعاقل الحارة يبحث له عن مشتر يأتيه بالمال على عجالة ليسعف به ابنته ويشتري القليل من صرفة المطبخ، وباع ذلك اليوم ماكان مفروشًا في مجلسه، باعه بثمن بخس بعد أن اشتراه بثمن باهظ.
*شعورٌ مرير*
يقول محمد” شعور مرير أن تبيع من بيتك شيئًا تعبت حتى اشتريته لستعد به أهل بيتك، أن يغيب عنك شيء ألفته كثيرًا، لكن شعور الفقر والمرض أشد مرارة من ذلك، عندما لا تجد ما يأكله أطفالك وتراهم يتضورن من الجوع، وهذا ما دفعني للبيع، قررت أن أتحمل ما هو أقل مرارة وأهون في المصيبة”.
هكذا.. تمر الأيام ثقيلة على هذا الرجل والملايين من اليمنيين أمثاله، كلما حاولوا سد ثغرة تفتح لهم الكثير، وكلما حاولوا إنهاء معاناة، تتساقط عليهم معاناة أخرى كالمطر، ثم لا يجدون حلًا لتفاديها إلا أن يبيعوا ما بداخل منازلهم”.
لم يجد محمد الأمر سهلًا في بيع أثاث منزله، لكن الحاجة كانت أشد صعوبةً من ذلك، فكان بكل كارثة تنزل عليه يقوم ببيع شيء ذي قيمة من منزله، يتفادى مصيبةً بمصيبةٍ أخرى حتى لم يبق في منزله غير فرش صغيرة الحجم ينام عليها هو وبقية أفراد أسرته، والمؤسف أن الواقع لا يزيد إلا سواء وتعقيدًا، والمستقبل المعيشي ما يزال مجهولًا.
ليس محمد وحده من اضطرته الحياة إلى أن يبيع أثاث بيته؛ بل هناك الكثير ممن قهرتهم ظروف الواقع المرير ووجدوا أنه لا مال ولا ذهب يملكونه، لا شيء سوى بضعة أدوات ضرورية في البيت قابلة للبيع فباعوها على عجل، ليبقوا بعدها في حالة من الضياع.
تؤكد ذلك نوال العريقي، الفتاة اليمنية التي أرادت أن تكون حلقة وصل بين هؤلاء العاجزين وبين المشترين، فقامت بعمل مجموعة في الواتساب تعرض فيها هذا الأثاث المستخدم إلى جانب تجارتها بالأثاث الجديد.
تقول نوال إن: أغلب الذين يبيعون أثاث منازالهم هم بحاجة إلى المال، منهم من يحتاجه للعلاج أو لقضاء دين مر عليه وقت طويل فطالب بالمال أصحابُه وعجز المستدين رده إليهم، أو يكون البيع من أجل السفر، وكثيرون هم الذين يغادرون الأماكن التي ألفوها ذاهبين نحو المجهول”.
تضيف ” أردت أن أعرض هذه البضاعة على زبائني بحيث يقدر البائع على أخذ مال مناسب ولا يظلم من قبل المستغلين لظروفه وحاجته للمال فكان ما قصدته، وبعت الكثير”.
و تابعت العريقي” ليس الأثاث المنزلي وحده الذي اضطر الناس لبيعه، هناك الكثير ممن يعرض مشروعه للبيع، المشروع الذي تعب كثيرًا في تكوينه، بيع بقالات وعيادات ومعاهد تدريب والكثير من الأمور التي كانت حلمًا بالنسبة لأصحابها”.
وهكذا تمضي الحياة على المواطنيين في اليمن في ظل صراع مرير من أجل البقاء على قيد الحياة، وتحديات كبيرة لا يقوى المواطن على تحملها، وأما الساسة فهم في صراع أيضا إلا أنهم يأكلون كثيرا ويسرحون ويمرحون وكأن شيئا لم يكن.