من الحديدة إلى سقطرى.. رحلة نازحة يمنية واجهت تبعات الحرب لإعالة أسرتها
وكالة أنباء العالم العربي
بعد رحلة شاقة خاضتها هربا من نيران الحرب وشظف العيش ومرارة النزوح المتكرر الذي امتهنت فيه أعمالا متعددة لتوفير لقمة العيش لأسرتها، شعرت النازحة اليمنية أحلام العباسي أخيرا بالأمان حين رحلت بها الأقدار من محافظة الحديدة في غرب البلاد إلى جزيرة سقطرى أعجوبة الجزر اليمنية في المحيط الهندي بالجنوب.
ومثل كثير من النساء اليمنيات المكافحات، لم تترك أحلام البالغة من العمر 35 عاما مهنة إلا وخاضت تجربة فيها، إصرارا منها على مواجهة ظروف المعيشة القاسية الناجمة عن الحرب الدائرة في البلاد منذ أكثر من تسع سنوات وما تمخضت عنه من صعوبات وتحديات عدة.
ذلك أن الحرب خلفت مئات النساء اللائي يعلن أسرهن في مرحلة عجز أمامها كثير من الرجال عن تحمل مسؤولية توفير احتياجات أسرهم، فشمرت النساء للوقوف إلى جانب الرجال في مكابدة أعباء الحياة وتوفير لقمة عيش كريمة.
لكن يبدو أن قصة أحلام تختلف بعض الشيء عن غيرها من نساء اليمن، كونها أمّا عاملة ومربية ومسؤولة عن حماية بناتها ولا عائل لأسرتها سواها في ظل افتقار زوجها للعمل وإصابته بإعاقة ترجع إلى عيب خلقي.
وتقول أحلام في لقاء مع وكالة أنباء العالم العربي (AWP) “مع اندلاع الحرب واجتياح جماعة الحوثي للحديدة، خفت على حياتي وأسرتي في ظل انتشار تعرض الكثير من النساء والفتيات للاعتقال والتعرض للكثير من الانتهاكات، لذا تمنيت أن نهرب إلى أي مكان”.
حرف يدوية
اكتسبت أحلام خبرة طويلة قبل اندلاع الحرب في التدريب والعمل في صناعة الحرف اليدوية، وبعد اندلاع الحرب بأشهر حصلت على فرصة للتدريب في جزيرة سقطرى لصالح إحدى المنظمات الداعمة لتنمية المرأة، وانتقلت مع بناتها إلى جزيرة سقطرى دون عودة منذ تسع سنوات.
تقول أحلام إنها عملت حينها على تدريب 60 امرأة سقطرية على صناعة المنتجات وتسويقها، حيث تعمل غالبية النساء حتى اليوم في المهن التي تدربن عليها.
وبعد انتهاء التدريب، تتحدث أحلام عن إحساسها فتقول “أحسست بالأمان في جزيرة سقطرى، حيث أنها المحافظة اليمنية الوحيدة التي لم تصل الحرب إليها، وقررت البقاء فيها، وتلقينا تعاونا كبيرا من سكان جزيرة سقطرى في توفير السكن واحتياجات السكن المتكاملة، لأننا نزحنا دون أن نحمل أي أدوات من منزلنا في الحديدة بسبب الحرب”.
وفي الوقت الذي لم تكن فيه أحلام تملك مصدر دخل لإعالة أسرتها، عمدت إلى صناعة البخور والعطور وأدوات تجميل أخرى للنساء وأخذت تجوب شوارع مدينة حديبو عاصمة سقطرى لبيعها.
ورغم الجهد الكبير الذي بذلته في صناعة البخور وبيعها سيرا على الأقدام في شوارع سقطرى، لم تجد أحلام الدخل الكافي لإعالة فتياتها وتوفير لقمة عيش كريمة لهن خاصة في ظل الغلاء المعيشي الكبير بالجزيرة، ومن ثم قررت العمل سكرتيرة في مكتب التربية بالمحافظة بجانب صناعة البخور وبيعها في الأسواق والمنازل.
لم تكتف أحلام بذلك، بل أخذت على عاتقها تطوير مشروع بيع العطور والبخور وأدوات التجميل، وحصلت على فرصة لشراء سيارة بالتقسيط بهدف تحويلها إلى متجر متنقل لبيع البخور والمنتجات الأخرى في الأسواق والشوارع العامة بمحافظة سقطرى.
وتقول أحلام وقد اغرورقت عيناها بالدموع “تحملت وما زلت أتحمل أعباء الحياة والبيئة القاسية في الأسواق بهدف العيش مع فتياتي بسلام و(كسب) لقمة عيش كريمة”.
لقد نزحت إلى مجتمع كان جديدا عليها هي وأسرتها، ولم يجد زوجها الذي يمتهن الرسم والخط العربي عملا يعينه على كفاية أسرته وتوفير احتياجاتها، مما دفع زوجته لاستغلال خبرتها في صناعة العطور وأدوات التجميل وامتهان هذه الحرفة.
ما من شك أن أحلام قد سطرت أجمل صور التكافل الاجتماعي التي انتشرت في اليمن خلال سنوات الحرب التي أثقلت كاهل الأسر ودفعت بالنساء قبل الرجال للعمل في الأسواق والمهن المختلفة التي كانت حتى قبل الحرب حكرا على الرجال.
وتستعين أحلام بمواد خام من شجرة “دم الأخوين”، تلك الشجرة التي لا توجد في أي مكان بالعالم عدا سقطرى، بالإضافة إلى أشجار أخرى عطرية في الجزيرة لصناعة البخور والعطور وبيعها في الأسواق المحلية، حيث تجد إقبالا بين الضعيف والجيد على منتجاتها اليدوية حسب قولها.
جمعية نسائية
بحكم خبرتها الواسعة في الحرف اليدوية وما تتمتع به من علاقات واسعة في أوساط النساء الحرفيات في سقطرى، قررت أحلام تشكيل فريق نسائي وفتح جمعية تعني بالحفاظ على الحرف اليدوية وتأهيل النساء في العمل بهذه الحرف وتسويق منتجاتهن المختلفة في الجزيرة تحت مسمى “جمعية المرأة التنموية الحرفية في سقطرى”.
وتشير أحلام إلى أنها تواجه الكثير من المعوقات والتحديات خلال عملها في سقطرى، في ظل ارتفاع إيجارات المحال التجارية الذي يزيد من صعوبة افتتاح متاجر لتسويق وبيع المنتجات الحرفية لنساء الجزيرة، حيث بلغ إيجار المحل 100 ألف ريال (حوالي 60 دولارا) شهريا، بالإضافة إلى انعدام الدعم للجمعية وتدني رأسمال تجارتها الخاصة.
وبينما تعمل من السابعة صباحا وحتى الثامنة مساء بالتوقيت المحلي، إلا أن دخلها لا يتجاوز عشرة آلاف ريال يوميا من تجارتها المحدودة في البخور والعطور وأدوات التجميل المصنعة يدويا، وبالكاد تغطي تكاليف احتياجات أسرتها والتزاماتها من إيجار وتكلفة المواد الخام ووقود سيارتها التي تحولت إلى متجر متنقل لبيع منتجاتها.
وتطمح أحلام إلى توسيع دور الجمعية النسوية وتطوير دورها والعمل على مشاريع التدريب والتسويق بدعم من منظمات المجتمع المدني ورجال الأعمال وغيرهم، حيث تهدف إلى الارتقاء بالمنتجات الحرفية اليدوية النسائية في سقطرى بل وتصديرها إلى خارج الجزيرة.
ويقول الباحث الاجتماعي في سقطرى أسعد بن سالم إن المرأة السقطرية لعبت مؤخرا دورا كبيرا في صناعة التحولات التي شهدتها الجزيرة خلال السنوات الأخيرة وعلى كافة الأصعدة، سواء مشاركتها في مشاريع التنمية التي تشهدها الجزيرة أو وقوفها بجانب الرجل في مواجهة الصعوبات المعيشية التي خلفتها الحرب.
ونظمت نساء سقطرى العديد من المعارض التجارية لعرض منتجاتهن اليدوية وخبراتهن ومهاراتهن التي تعلمنها خلال السنوات القليلة الماضية، كما أبدعن في جهود التسويق وكذلك اقتحام أعمال إدارية كانت حكرا على الرجل أو على المرأة القادمة من خارج الجزيرة .
وبحسب بن سالم، فإنه رغم العزلة التي عاشتها المرأة السقطرية خلال السنوات الماضية، فتحت لهن أبواب كثيرة في الآونة الأخيرة من خلال افتتاح مراكز تعليمية حكومية متعددة، وهو ما يجعل المرأة شريكة في صناعة مستقبل الجزيرة خصوصا مع اندماج نساء سقطرى مع اللائي نزحن إليها.
كما يشير بن سالم إلى أن المرأة في سقطرى تساهم اليوم بشكل فعال للحفاظ على هوية الجزيرة وثقافتها من خلال إحياء مهنة الحرف والصناعات اليدوية، فما من منطقة من مناطق محافظة سقطرى إلا وتساهم فيها المرأة في حرف يدوية ومهن شعبية خاصة بسكانها.
صحيح أن هذه المهن والصناعات اليدوية تشكل مصدر دخل للأسر، إلا أنها تساهم أيضا في الحفاظ على الموروث الشعبي والثقافي لجزيرة سقطرى.
وتقول الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين في اليمن إن عدد الأسر النازحة التي تعيلها نساء بلغت 17.472 ألف أسرة تتحمل النساء مسؤولية حمايتها وتوفير طعامها، مثلما تعمل أحلام النازحة من الحديدة إلى سقطرى.