كل تسوية سياسية مقبلة، بشأن وقف الحرب في اليمن، لن تنجح، في ظل إصرار أطراف الحرب والمفاوضات، على إغفال حقوق الضحايا المدنيين. كل تسوية سياسية مقبلة، بشأن وقف الحرب في اليمن، لن تنجح، في ظل إصرار أطراف الحرب والمفاوضات، على إغفال حقوق الضحايا المدنيين، من الذين سقطوا، أو تضرروا في هذه الحرب التي لم تشبع بعد، ويتعامل أطرافها مع السلام كأنه هدنة بين حربين.
والحال أن ما يجري من استغلال وتسويف صفيق لجرائم وانتهاكات طرف ضد آخر، من قبل وسائطهما الإعلامية والحقوقية المنحازة، لهو أقذر وأسوأ من هذه الحرب الملعونة بمراحل.
ذلك أن انتهاكات وجرائم كل طرف، لا ينبغي أن تكون تبريراً لانتهاكات وجرائم الطرف الآخر مهما كانت الذرائع.
وعليه؛ ينبغي أن تلتزم التسوية السياسية المنشودة، بتشكيل لجنة تحقيق دولية مستقلة، تكون على مسافة واحدة من كل الأطراف، وتفند بمهنية وشفافية ومصداقية كل الشكاوى والاتهامات والمزاعم المتعلقة بجرائم حرب وانتهاكات لحقوق الإنسان، ارتكبتها ضد المدنيين: الميليشيات الحوثية، أو القوات الموالية لصالح، أو المقاومة والقوات الموالية لهادي، أو التحالف العربي، أو المقاومة الجنوبية.. إلخ إلخ إلخ.
على أن لا تخضع تلك اللجنة للابتزاز السياسي، أو لسماسرة حقوق الإنسان.. لجنة ذات إجماع، وسوية ، واتساق مهني، تحقق في كافة الإنتهاكات والجرائم منذ بداية الحرب، وحتى اللحظة، دون تمييز بين الضحايا أو انتقاء أو تجيير أو فهلوة.
إن هذا المسعى فقط، هو ما سيكرس الحق الأصيل وطنياً وانسانياً لصالح الضحايا وذويهم، كما لإقرار العدالة والإنصاف، وبالمحصلة: لكي لا تستمر الكارثة التاريخية المتمثلة في انفلات المجرمين من العقاب تكرر عبثها مستقبلا.
ثم إن المجتمع لن يتعلم من دروس الإستبداد والعنف والحروب، ما لم يتم التصدي لكل الاعاقات التي يرفض أطرافها فتح هذا الملف، ووفق الشروط اللائقة وبالمعايير الدولية، مع أنه الملف المكتظ بآلاف الضحايا، وأوجاع ذويهم التي لن تنتهي، إلا إذا تم الإستماع لمعاناتهم بمسؤولية كاملة.
فالحوثيون وصالح، ارتكبوا انتهاكات وجرائم لا تعد ولاتحصى بحق المدنيين، إلا أن التحالف وكذلك أطرافاً في المقاومة، قد ارتكبوا انتهاكات وجرائم لا يمكن اغفالها.
والحقيقة أن هناك جرائم بشعة طالت المدنيين، كما حدثت إنتهاكات خطيرة لقوانين الحرب، من قبل جميع الأطراف على السواء، وبأشكال متعددة ومختلفة في عموم البلاد.
وإذ يزايد الطرف سين على الطرف صاد، بإستغلال الضحايا في مهاترات إعلامية متمترسة وضجيج حقوقي مزيف، تبقى العدالة الممكنة للضحايا وذويهم، متمثلة في الإقرار الشجاع بتلك الإنتهاكات والجرائم والتحقيق فيها، من أجل جبر الضرر.
والشاهد أن الإكتفاء بإرادة التوظيف السياسي لطرف على حساب آخر في هذا الملف، دون الضغط لفتحه عقب أي إتفاق سياسي قادم، هو ما يفضح ضمير كل أطراف الصراع بدون إستثناء.
ولو أن السعودية اعترفت مثلا، بجرائم وأخطاء التحالف، وسقوط ضحايا مدنيين، لما تم ابتزازها دولياً على ذلك النحو الصادم الذي نراه.
بمعنى آخر، لو طمأنت اليمنيين بأنه بمجرد الإتفاق على وقف الحرب وبدء مرحلة السلام، ستقبل وتحترم كل ما تقرره الحكومة اليمنية القادمة من تعويضات ومعالجات للضحايا، لكانت قد حققت خطوة إيجابية وأخلاقية جبارة تحسب لها.
غير أنها فضلت السعي بكل الوسائل لتحقيق خطوة تحسب ضدها، من خلال محاولتها انهاء إجراءات دفن هذا الملف، في تصرف يليق بعصابة، وليس بمن تريد أن تكون قوة إقليمية، وها قد دخلت في حرب كبرى، وسقط فيها أبرياء، لكن ينبغي الانحياز لهم، وليس اعتبارهم أعداء.
زاد الطين بلة بالطبع، أن الشرعية تعاملت بلامبالاة أيضا -وأتاحت فرصة للانقلابيين لتشويهها -وذلك لمجرد انها لا تريد اغضاب السعودية التي تساندها ويقلقها هذا الملف، فلم تستنكر الشرعية على الأقل، أخطاء التحالف المصنفة كجرائم حرب، متناسية مزاعمها، بأنها سلطة شرعية تهمها حقوق كل المواطنين اليمنيين في كل الجغرافيا اليمنية.
والحال أن هناك ضحايا أبرياء قد قتلوا بدم بارد، أو تضرروا جراء الإنقلابيين، فضلا عن أطراف محسوبة على الشرعية، ومن غير اللائق عدم الإقرار بحقوقهم كما يحدث للأسف.
كذلك يبدو التحايل من قبل الجميع، تجاه هذا الملف أكثر من مستفز بالطبع، خصوصا على ضوء ما يجري في مفاوضات الكويت بين الشرعية والإنقلابيين، الذين وإن كانوا سبباً رئيسياً لكل هذه الفظائع، فلا يعقل على الإطلاق إسقاط المسؤولية عنهما، أو عن أي طرف آخر، ضمن إتفاق التسوية السياسية للصراع، لأن ذلك معناه ببساطة: استمرار إحتقار الضحايا، أو إعتبارهم مجرد قرابين.
وبحسب مصادر موثوقة، يكاد طرف صنعاء وطرف الرياض أن يتعاملا- من تحت الطاولة وخلف الكواليس في الكويت- مع هذا الملف وفق مبدأ: تغاضوا عن جرائمنا وسنتغاضى عن جرائمكم.
فالمصادر تتفق على أن هناك وعي متطابق من قبل الطرفين، بالتعامل بشكل ثانوي غير جاد مع الملف ومقتضياته وأبعاده.
ولتقريب الصورة أكثر، فإن مايشغلهما حالياً هو شكل السلطة وامتيازاتها-في حال وقعا على إتفاق سياسي انتقالي، ماتزال بنوده عرضة للخلاف حتى اللحظة- وبالتالي فإن طرفي مفاوضات الكويت، يتعاملان مع حقوق الضحايا وذويهم، لأجل استمرار التحشيد والتأجيج الحربي، أو لأجل ممارسة الضغوط ووضع الشروط فقط.
وأما التاريخ فيؤكد لنا، أن من أعاقوا قانون العدالة اﻻنتقالية، ورفضوه، وأقاموا حربا لإبادته، ﻻ يمكن أن يقبلوا بلجنة تحقيق من أي نوع. وبالمقابل فإن أن الذين قاموا بمنح الحصانة للرئيس السابق وبعض من عملوا معه في 2011، وجهوا صفعة قوية لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان في اليمن، وجهود مساءلة مرتكبي تلك الانتهاكات عما قاموا به من أفعال من خلال عرقلة إجراء أي تحقيقات أو مقاضاة”.
فهل ستتكرر -وبكل سهولة هكذا- مآثم تمييع حقوق ضحايا الصراعات في اليمن مرة أخرى؟