كتابات خاصة

أبو كلبة!

سلمان الحميدي

 أبو كلبة لا يشبه أبو علي الحاكم ولا أبو جبريل، ولا أبو أحمد ولا أبو مالك، هم يقتلون ويوغلون في إيلام الناس، أما أبو كلبة فيعتذر لكل من يلقى، يعتذر بسبب الصوت المزعج للدراجة: هيا العفو منك.. مابوش حق لحام.. كانت أمي تحكي لي قصة مفزعة كي أكف عن البكاء وأنام.. شأنها شأن النسوة اللواتي يرددن الحكاية ذاتها لأطفالهن..
في منتصف القصة، يظهر الشرير أبو كلبة، وهو حيوان ضخم برأس إنسان: يكحت طولقة ويتشقر بطولقة! كنا نسبق الأمهات، لايصلن إلى ذكر أبو كلبة إلا وقد نمنا.            
صار أبو كلبة صديقي، لا يسحب خلفه شيء، يمتلك دراجة نارية بلا شكمان، يقضي مشاويره في الليل فتلعنه النائمات، وأنا أضحك برفقته حتى أشرغ..
هو إنسان برأس إنسان، قبل الحرب أدمن مشاهدة قناة المسيرة ولعن الآخرين بلا سبب، ذهب مع المليشيا في دورة ثقافية كما قالوا له، انتفخ في الطريق: خلاص شنبقي مثقفين مو نلعب!
أوصلوه إلى المسجد مباشرة، ولأن المليشيا تعتمد على الكنى، فقد سألوه أن ينتقي له كنية، وفي كل مرة يسألوه عن اسمه: الأخ أبو من؟ فيرد.. لكنهم أمعنوا في سؤاله عن اسمه، ضاق بهم، في المرة الأخيرة صرخ فيهم: أبو كلبة..
وهكذا حفظه الجميع..  السيء مميز وهم يحفظونه بسرعة.
في أول صلاة جهرية، قرأ الإمام الفاتحة، وصل إلى: ولا الضالين.. أبو كلبة وحده قال: آمين! فوخزه من بجانبيه، قطع الصلاة: يلعن أمك.. لموه تخابط! حين الانتهاء من الصلاة، وشى به المشتوم بأنه قال آمين، فقال الإمام: عادي.
صادروا منه، ومن كل من في الدورة؛ الهواتف والساعات، وكان في طرف المسجد شاشة تلفزيونية، لا تعرض سوى قناة المسيرة: أنا افدى لكم هاتوا لي حتى الساحات هي أخته! قال أبو كلبة، كانت الساعة 19 حينئذ كما هو مكتوب في طرف المسيرة، استفسرهم أبو كلبة: الساعة 19 عن كم؟..
جلست مع أبو كلبة، وفي كل مرة يحكي لي عن رحلته الثقافية تلك، ويمشي: شاروح ابصر لي فيلم.. من يوم كنك شاثقف مع الخبرة، كرهوني بالمسيرة.. وقلت بقنوات الأخبار: احذف..
لم يعد يخرج من البلاد..
يمشي بدراجته النارية ليلا، بلا شكمان، أبو كلبة لا يشبه أبو علي الحاكم ولا أبو جبريل، ولا أبو أحمد ولا أبو مالك، هم يقتلون ويوغلون في إيلام الناس، أما أبو كلبة فيعتذر لكل من يلقى، يعتذر بسبب الصوت المزعج للدراجة: هيا العفو منك.. مابوش حق لحام..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى