قضية «هالفيش» هي تلك القضية البعيدة عن الإعلام العربي والتي جرى الحكم فيها في نيويورك ضد الحكومة الإيرانية بتهمة التورط في أحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001م، متهمةً المرشد الأعلى خامنئي بالضلوع شخصياً وستةً من كبار معاونيه إلى جانب حزب الله، في تلك الأحداث التي غيرت وجه المستقبل لمنطقة الشرق الأوسط وتسّلمت إيران بغداد على طبق من ذهب، إضافة إلى غضّ طرف الولايات المتحدة والغرب عن أدوات إيران التي نشأت لاحقاً بمزاعم مُضللة: أن الميليشيات الشيعية ستواجه خطر “الإرهاب العالمي” وهي الداعمة “المُغذية” وراء التطرف والإرهاب قبل سبتمبر وبعده.
قضية «هالفيش» هي تلك القضية البعيدة عن الإعلام العربي والتي جرى الحكم فيها في نيويورك ضد الحكومة الإيرانية بتهمة التورط في أحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001م، متهمةً المرشد الأعلى خامنئي بالضلوع شخصياً وستةً من كبار معاونيه إلى جانب حزب الله، في تلك الأحداث التي غيرت وجه المستقبل لمنطقة الشرق الأوسط وتسّلمت إيران بغداد على طبق من ذهب، إضافة إلى غضّ طرف الولايات المتحدة والغرب عن أدوات إيران التي نشأت لاحقاً بمزاعم مُضللة: أن الميليشيات الشيعية ستواجه خطر “الإرهاب العالمي” وهي الداعمة “المُغذية” وراء التطرف والإرهاب قبل سبتمبر وبعده.
الحكم الذي صدر في منتصف مارس/ آذار 2016م، من قبل المحكمة الفدرالية يُلزم طهران بأن تدفع أكثر من 10.5 مليار دولار من التعويضات لعائلات الأشخاص الذين قتلوا في تلك الأحداث الدامية. استند قاضي محكمة نيويورك الفدرالية، جورج دانيلز، إلى 6 وثائق قضائية؛ وشهادات من “CIA” بتورط إيران وحزب الله؛ ومما جاء في الوثائق: أن “عماد مغنية (الذي اغتيل لاحقاً في دمشق)، أحد قادة حزب الله، زار المنفذين في أكتوبر/ تشرين الأول عام 2000، ونسق سفرهم إلى إيران بجوازات سفر جديدة لتأمين تحرّكاتهم قبل تنفيذ العمليات”.
اختصر الدكتور بروس تيفت (مسؤول العمليات السرية في “CIA” وأحد الشهود في القضية) وَصْف ما قامت به إيران من أجل ذلك اليوم: “قدمت إيران دعمًا لوجستيًا وملاذًا آمنًا، كما شاركت في التخطيط للعملية. وكانوا على اتصال بكبار عناصر «القاعدة» طوال تلك الفترة”. تظهر طهران وحزب الله من خلال “هالفيش” وكأنهما المتبني الرسمي والوحيد للعملية التي راح ضحيتها الآلاف؛ وبالرغم من جريان ماء كثير منذ أحداث سبتمبر، لكنه لم يكف عن إدراك أن نظام الحكم الإيراني كان يقف بطرق متعددة وراء تلك العملية. وكانت العلاقة بين النظام الإيراني وأدواته مع تنظيم القاعدة قبل وبعد أحداث 11 سبتمبر 2001م، حتى أن وزارة الخزانة الأمريكية فرضت عقوبات على ثلاثة من التنظيم في إيران يوم 25 يوليو2016م، وفي اليوم التالي أنكرت طهران علمها بوجودهم في أراضيها!
بدأ التعاون الفعلي بين إيران ووكيليها حزب الله و “تنظيم القاعدة” منذ 1993م عندما التقى عماد مغنية قيادات من التنظيم في السودان ثم زار الرجل اللبناني السعودية منتصف التسعينيات ودعا سعوديين لزيارة إيران، وعلى إثر ذلك وجهت اتهامات لإيران بتفجير أبراج الخُبر في السعودية عام 1996 وسفارتي الولايات المتحدة في شرق إفريقيا عام 1998 واستهدف المدمرة الأمريكية «يو إس إس كول» قبالة سواحل اليمن عام 2000. وبقي الخيط الإيراني في عمليات من هذا النوع يتفاعل حتى اليوم؛ فالاستراتيجية الإيرانية تشير إلى حاجتها إلى الفوضى من أجل الحصول على القناعة الغربية بدورها المحوري لـ “مكافحة الإرهاب” ودورها الاجتماعي بتفضيل تياراتها الشيعية في المنطقة على “السُنة”، وهو ما حدث فعلاً في العراق ونلاحظ كيف آلت الأمور إلى جماعات الحشد الشعبي الأكثر تطرفاً وإرهاباً في المنطقة العربية؛ وكيف يجري تجريف الهوية أمام العالم.
خلال الفترة الماضية منذ بداية العام الحالي، نُشر الكثير من الغسيل الخاطئ حول السعودية بشأن أحداث 11 أيلول، ومع كشف الوثائق التي كان يعتقد أنها سرية، ظهرت الرياض بعيداً عن كل تلك الاتهامات، وتناسى المحللون ذلك الدور الإيراني – بالسببية على الأقل – وراء الإرهاب الذي يمور في بلدان الشرق الأوسط. فطهران وأدواتها صنعت “الإرهاب” بأيديها وكمعارضة للحكومات ثم لإرادة الشعوب، بل أكثر من ذلك؛ حيث كانت السبب في ظهور الجيل الثاني من الإرهاب الذي يفوق “تنظيم القاعدة” بعد أن مزقت الشعوب العربية طائفياً، ودفعت أدواتها نحو تعذيب وقتل وتدمير مكتسبات الشعوب ومهاجمة الطوائف الأخرى فأنتجت فعلاً فوضوياً أعطى البعض مبرراً للولوج في الجماعات الإرهابية كملاذ للحماية من البطش الإيراني، فما تزال السجون الشيعية منذ عهد نوري المالكي في العراق تشكو ليالي الظلم من التعذيب والقتل بدم بارد، لا لشيء فقط لأن تلك العائلات تنتمي لطائفة مغايرة لهم “السّنة”.
وحتى لا تكون قضية «هالفيش» وحدَها التي تُدين النظام الإيراني وتورطه، ويُقاس عليها الإدانة، فهناك قضايا عديدة تتهم إيران بتلك “الكارثة” وبالإرهاب عموماً، والتي يجري نقضها بعد عام من الاتفاق النووي، فذكرت صحيفة “جمهوري إسلامي” يوم 23 يوليو/ تموز 2016م أن محكمة أمريكية ألغت حكماً صدر عام 2013م يقضي بمصادرة أموال إيران لضحايا حادث 11 سبتمبر لتورطها فيه، وذلك في جولة إعادة النظر في الحكم. وأوضحت أن المحكمة ألغت الحكم الصادر بمصادرة أموال مؤسسة “علوي” وهي تعتبر ناطحة سحاب مكونة من 36 طبقة تمتلكها إيران. ومنع الحكم بيع ناطحة السحاب، التي تبلغ قيمتها مليار دولار أمريكي وكان سيتم منحها لأسر ضحايا 11 سبتمبر.
لا تكتفي المحاكم الأمريكية من النظر في مثل هذا النوع من القضايا وحدها، فإيران تحصد أيضاً ما يفعله وكلاؤها في الشرق الأوسط، ففي يونيو/ حزيران رفعت عائلة الأمريكي جون همن أحد المختطفين الذين قتلوا في اليمن في سجون الحوثيين (اختطف في 20 أكتوبر/ تشرين الأول 2015م وأعلن وفاته في الشهر التالي) دعوى ضد إيران بصفتها راعية للحوثيين في البلاد بالتدريب والتمويل؛ وربما بأوامر الفعل.
لن يكف النظام الإيراني عن استمراره في “إشعال الإرهاب” وإقلاق العالم على طول الخط في الممرات المائية وفي التدخل في بُنى المجتمعات والدول، ما لم يجد ردع قضايا، وتشهير إعلامي بكل ما يقوم به فريق المرشد والحرس الثوري. ودون الحاجة إلى استراتيجية ردع عربية موحدة فإن تكتيكات الدول العربية في مواجهة إيران ستخبو وتندثر كلما تم تخيير الأنظمة والشعوب بين “إرهابين” الأول تختلقه الجماعات المسلحة والثاني إرهاب تصنعه طهران كلما زادت حدة الآخر أو ضعفت.
*مجلة البيان