احنا يا عالم، وقعنا في أكثر اللحظات خطأ وقسوة.. لست أدري كيف وصلنا إلى أن نكون ضمن هذه السنين التائهة، ولا كيف كان لنا أن نكون ضمن هذه البقعة الباهتة.. المخنوقة بالدخان والنعيق والادعاء والتظاهرات الجوفاء المشاكلة للطبول
احنا يا عالم، وقعنا في أكثر اللحظات خطأ وقسوة.. لست أدري كيف وصلنا إلى أن نكون ضمن هذه السنين التائهة، ولا كيف كان لنا أن نكون ضمن هذه البقعة الباهتة.. المخنوقة بالدخان والنعيق والادعاء والتظاهرات الجوفاء المشاكلة للطبول!! ما هذه الحياة الملقاة على قارعة الزوامل والتخلف والهريف الغبي الساذج، والنخيط المعفن، والهنجمة الهبلا المرفودة بأردأ المنطلقات والتصورات والأطروحات! الأطروحات التي تخجل سامعها بحسرة، ويقولها صاحبها بكل فجاجة؟!
ما هذا؟
لماذا كان عليّ أن أتردى كل يوم من حالق على هيئة بشر، لا شيء يستدعي لأن أعذّب بهذه الكائنات الرثة الهالكة، ولا أن أختبر حياتي بمدى ابتعادي عن لحظة نزقهم المفاجئة! ما كان عليّ أو لي على الأقل أن أعيش أملا عظيما بحجم فبراير كي لا أحس بفارق يقاس بالغصّة والانكسار! أو كان عليّ أن أقلم بنات أحلامي حين كنت أقوم وأقشعر وأدمع للنشيد الوطني في لحظات الربيع العربي، ويبدو أنه ربيع العمر الوحيد؟! كنت أعب المستقبل بشراهة مفرطة، ويبدو أن كل ذلك يسّاقط الآن أمام جحافل الموت وأبناء الحوارات والمحاصصات شهقات روح واختناقات أعين!
لم كل هذا؟
الضجيج يحتل أمكنة الأمنيات والاشتهاء! الضجيج المسنود بنقيع الموت، بعلقمه، بالحنشان ورجال الموت الزؤام! الكلمات تتراص لتشكل برعة الانتحار الأخيرة، الانتحار الذي يحيق بصحبه، وبكل من حضر لحظات النزق على حواف القبور! ذات الأمكنة، وأحيانا ذات المكبرات، ولكن لا بأنفاس جوليا بطرس، ولا بعود أيوب، لا بشجن خالد زاهر، ولا بمواويل صالح المزلم، لا، لقد غدونا مجرد كوابيس “ما نرمي إلا القلب ولا الجمجمة”؟! ومجرد رماة “ما مثلنا بين القبائل من رمى”، والأرض هي الكذبة الأثيرة كي يكتمل كل هذا الصخب، ونجد ما يبرر لنا أن نقتل إنسانا، “ونشرب من دمه”!!
لست أدري..
لكنني أحاول التقاط النفس وهي مزروعة وسط كل هذا الهجير واللاأمل! كل هذه البقعة الطافية نحو المجهول، ولا مستقبل يمكن تخمينه لو بالأفق البعيد.. هكذا وكأن كل التفاهات اتفقت على أن ترتق فتوق الزمان التي كانت متوفرة لبصيص طهر أو حياة!! هكذا وكأننا فعلنا الجريمة الكبرى التي تستحق كل هذه العقوبة المجنونة: اليمن والساسة والمليشيا والحوارات والقنوات والـ ..الخ. فجأة وبعد محاولات جادة لتعيش خارج منطومة الحس، تنتبه لحياتك، فتجدها تسيح دماء وأشلاء وإهمالا وخيانة وبلادة، وفوق كل ذلك إصرار من قبل المعاتيه على أنهم الأعلون، وأنك لا شيء؟! كل ما أسسته وحلمت به وبذلت لأجله غدا مشرعا لطي اللفة الأخيرة.. وغدوت ذات يمن وحرب ومليشيا: مجرد “صيحة في واد”، وألم ككلمات، وحضور لا يليق.. لا يليق.. لا يليق.