التردد في السياسات التي اتخذها هادي خلال عام 2014م أثناء حصار المليشيات لعمران جعلته يفقد مصداقيته داخل القوات المسلحة، خصوصا، بعد ما سقط اللواء 310 واستشهد قائده حميد القشيبي بتلك الطريقة الدنيئة التي نفذتها عصابات “أنصار الله”. يعد هذا أحد أمثال اليمن السائرة، وهو مثل “لا يصدق وعود الدولة اطلاقا ولا يكذبها اطلاقا كما يرى البردوني” وقد ظهر في الثلاثينات، بعد أن دعا الإمام يحيى حميد الدين اليمنيين للتعبئة العامة خلال الحرب بينه وبين ابن سعود عام 1934م، ثم خذل الناس ولم يرسل لهم بالتعزيزات والمؤن.
لكن ما ينبغي الالتفات إليه هو ما الذي جرى بعد ذلك حين خذل الإمام اليمنيين الذين استجابوا لدعوته، ولبوا ندائه، وصرخته، وماذا حدث حينها، وما نتائج ذلك على شخصيته وحكمه بعدها..
كانت نتيجة الخذلان هو هزيمة الإمام، فقد انتزع ابن سعود المخلاف السليماني من اليمن، ووصل الأمير فيصل بن عبد العزيز بقواته إلى مدينة باجل. لكن التداعيات لم تنته عند ذلك، بل سقطت شخصية الإمام يحيى، وظهر أمام الشعب ضعيفاً كسيراً مهزوما، وهو من كان يرى فيه اليمنيون ظل الله في الأرض، فارتفعت حدة النقد له كشخص ولأسرته أيضا، وجاهر البعض بنقده، وحينها كتب المؤرخ محمد زبارة رسالة مطولة إلى الإمام يحيى قال فيها: “إن الناس يتحدثون بأن ثلاثة جهال ضيعوا ثلاثة أقطار”، يقصد بذلك عسير ونجران وجيزان، وبـ”الجهال” أولاد الإمام، وفي قصيدة قالها آنذاك منتقداً حياة الإمام الشخصية ومنها ملبسه، بحيث وصفه بأنه يتزين ويلبس كما تتزين ذات بعل.
ويعد كثير من الكتاب الذين تناولوا تاريخ الحركة الوطنية وتبرعمها، وبداية انشاء بعض التجمعات المناهضة لحكم الإمام يحيى في صنعاء وتعز وإب، جاء بسبب سياسة الإمام التي خذلت اليمنيين، وكانت نتيجتها هزيمة اليمن آنذاك، لكن اليمنيين أدركوا سبب الهزيمة، فظلت البلد تغلي وتشهد الانتفاضات الواحدة تلو الأخرى منذ 48 حتى تكللت بثورة السادس والعشرين من سبتمبر المباركة.
هل بوسع الشرعية أن تتعض مما جرى في عمران، بعد خذلان العميد القشيبي، ونتائج ذلك على بقية وحدات القوات المسلحة في مختلف المناطق اليمنية..
إن التردد في السياسات التي اتخذها هادي خلال عام 2014م أثناء حصار المليشيات لعمران جعلته يفقد مصداقيته داخل القوات المسلحة، خصوصا، بعد ما سقط اللواء 310 واستشهد قائده حميد القشيبي بتلك الطريقة الدنيئة التي نفذتها عصابات “أنصار الله”، فقد أدى ذلك إلى اهتزاز صورة القائد الأعلى للقوات المسلحة أمام الرأي العام والجيش. فكما بادرت قوات الفرقة بانضمامها إلى تيار الثورة الشعبية عام 2011، انتقاما من نظام صالح، الذي كان يصدر لها التوجيهات لمواجهة الحوثيين المتمردين في صعدة بين عام 2004و 2010، ثم يمنع عنها الدعم ويعمل على عدم تحقيق الانتصار لكسر جماعة الحوثي، بإعلان ايقاف الحرب، فليس بمستبعد أن هذا ما قامت به بعض قوات الجيش انتقاما من هادي، الذي ظهر حينها أمام قطاعات بداخله بأنه يسعى لضرب ما تبقى من قوة متماسكة في الجيش، وخصوصا، الحرس الجمهوري بحجة انها وحدات تابعة لصالح وليس للدولة، كما فعل باللواء 310 في عمران، وبالألوية التابعة للمنطقة الشمالية الغربية، والتي كانت تدين له بالولاء الكامل.
لم يدرك الرئيس هادي الأخطاء التي قام بها، ودفعت بقوات من الجيش التي كان يقودها نجل صالح للوقوف معه، وما زال الأخير يمتلك نفوذا وتأثيرا قويا عليها، من خلال شبكة الولاءات، والمحسوبيات، والشخصيات، التي قام بتعيينها في العديد من مفاصل الحرس وبقية وحدات الجيش، وارتبطت به شخصيا طيلة سنوات حكمه، قد دفعها خوفها من السقوط في يد جماعة الحوثي لأن ترتمي في أحضانه، خشية أن تواجه مصير القوات التابعة للفرقة..
واليوم هل تدرك الشرعية ما يعني خذلان تعز وردة الفعل في بقية المناطق اليمنية المناهضة للحوثي، والرافضة له، وعلى الوجود المعنوي للشرعية ذاتها في ذهن المجتمع، وما نتائج ذلك في أوساط قطاعات الجيش الوطني التي يتم انشائها، والتي تواجه الحوثي في مختلف الجبهات، مع العلم بأن هناك الآلاف من أبناء تعز وإب منخرطين في صفوف المقاومة على كامل المناطق اليمنية؟؟