رمضان شهر كريم وإصلاح
رمضان على الأبواب، يطرقها بالفضل والجود والعطاء، فيه تكثر الطاعات والتقرب لله، فيه نرتقي سلوكا، ونسموا على جراحنا، ليتفوق نبلنا على توحشنا وتسامحنا على كرهنا، ليتجدد فينا الايمان بالله أولا وبالوطن والقيم والاخلاقيات.
فهل يدرك الفرد منا كلا من موقعه ومسؤوليته ودوره في هذا المجتمع، ان اهم درس في رمضان هو الإحساس بالم الاخرين وجوعهم وعطشهم وحجاتهم ، فهل نستوعب هذا الدرس، لنجعل من رمضان فرصة للتقارب والتوافق والأزر والتأخي، ليرى كلا منا ما يحتاجه الاخر، في تكامل اجتماعي وسياسي وثقافي نحن اليوم في أمس الحاجة اليه.
نحن اليوم لسنا في أحسن حال، فالمعظم قد تضرر، وان تحسنت أحوال البعض، و يشعر انه هو المستفيد من هذا الوضع، وحاله أحسن مما كان عليه، فعليه ان ينظر لحال الاخرين، ليفتح صيام رمضان بصره ويقشع عنه غمامة التعالي ليرى حال الاخرين، وما جرى لهم من مالات هذه الازمة والحروب المتتالية، والصراعات البينية، ممن داهمهم الفقر والحاجة، وتعطلت سبل الحياة لديهم، ليسأل عن بعض من يعرفهم، جيران اقارب ،زملاء عمل ،رفاق النضال والمرحلة، اساتذته ومعلميه، كل من كان يقابلهم في الشارع يحيونه ويحييهم، هل سيعيده رمضان لجادة الصواب، ويعرف الحق من الباطل، وحق الناس عليه، يسأل عن احوالهم ويطرق أبواب قد يجد فيها اسر متعففة، تتضور جوعا وحاجة، ليدرك الحقيقة ان تحسن احوله ترافق مع سوء أحوال اخرين، وانه شبع عندما جاع اخرين أيضا، وعليه ان لا ينظر لحاله دون النظر لحال الاخرين، لكي لا تختل المعادلة، فهل يمكن في رمضان ان يتم تصويب ذلك الخلل وفي حدوده الدنيا.
في رمضان إذا صحت النية واتقدت العزيمة احتاج العبد المؤمن إلى التوبة، ويتطهر ويُمْحَى اسمُه من قائمة من اختلطت عليهم الأمور، وصاروا يهدمون البناء، من قيم ومبادئ واخلاقيات، ويضرون من حولهم، متبعين انا ومن بعدي الطوفان، ليتوبوا ندما وحزن على التفريط، ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون، إذ الواجب أن نستقبل رمضان بتوبة تجديد العزم والنية أن يكون الشهر الكريم شهر وصال لا فراق بعده وشهر إقبال لا إدبار معه وشهر صلح لا خصام يليه.
فهل سيكون رمضان شهر مبارك علينا، ويأتينا بالخير، وخيرا لنا ان نتوافق على دولة عادلة ومواطنة، وما لا نرضيه لا نفسنا لا نرضيه على غيرنا، عن أنس بن مالك رضي الله عنه خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ).
فالدولة هي ملجأنا جميعا، بكل مؤسساتها ونظامها وقوانينها، ان وجدت الدولة العادلة ستضبط الإيرادات، وتنظم مصبها ومنافذ خرجها، في توزيع عادل وقانوني للثروة والرزق، بحيث يستفيد الجميع، وبذلك يمكن ان يسهل محاربة الفساد، وتجريم نهب الإيرادات والجبايات الغير قانونية، الدولة تضبط العلاقات ويزول اللبس، ويشار بالبنان لكل فساد اضر حياتنا واخل بمعادلة العدالة بيننا بما يرضي الله ورسوله، وبما ينصه القانون و الدستور المدني، وبذلك سنردم الهوة التي تتسع اليوم في الفوارق الطبقية والمادية، حيث لم يعد للطبقة الوسطى وجود، اصبحنا طبقة تعيش رغد العيش وثراء فاحش مثخنين شبعا، وطبقه كبيرة من الفقراء والمحتاجين والجياع، ينتظرون سلة غذائية، واعانه من أي منظمة لتعينهم على البقاء احياء، ستراهم في طوابير المخيمات الطبية للعلاج المجاني، وللأسف صار المعلمين وأساتذة الجامعات والمهندسين والاعلامين والمتقاعدين من كوادر الدولة وشخصياتها رواد لتلك المخيمات الطبية، وفي قوائم منظمات الإغاثة والاعانة.
مهما كان الشعار الذي يتخذه البعض لبقاء الحال على ما هو عليه، لن يكون مجديا ما لم يصلح من الخلل القائم، فالفقر داهم معظم الاسر، والجوع صار وباء يهدد المجتمع، والحاجة مهينة لمجتمع كريم وشعب عزيز، لم نرضى ببقاء هذا الحال، فالتغيير مطلوب اليوم وبإلحاح، ورمضان فرصة سانحة للمراجعة والتقويم، ومن العدالة والإنسانية ان ننظر لمن هم اقل حالا منا، ومن غير العدالة ان نضيق الخناق على الناس ليموتوا جوعا من اجل ان نعيش، او نصل لهدف سياسي.
رمضان على الأبواب، وعلى العقلاء التنبه له ليكن مصدر صلاح لهم ولمن حولهم، ليدركوا العطايا الكريمة ويحققوا المقاصد العظيمة، وإن من أهم الوقفات التي يستقبل بها هذا الشهر الكريم هو التوبة والتصالح مع الاخر، ومراجعة الذات في وقفات شجاعة، توقف حالة العنف والعبث القائم المخل بالحياة العامة والمضر بالعلاقات العامة، ونعيد تصويب المسار لما يخدم الوطن والمواطن.