آراء ومواقف

صناعة «داعش» يمني بأيدي الحوثيين

نصر طه مصطفى

كثّف الإرهابيون المنتمون لتنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) هجماتهم مؤخراً على أهم وأكبر دولتين إسلاميتين في المنطقة، ففي أسبوع واحد نفذوا هجمات على مطار إسطنبول في تركيا وفي كل من مدينتي جدة والمدينة المنورة بالمملكة العربية السعودية في رسائل واضحة الهدف والمغزى ولا تحتاج إلى كثير من الذكاء لفهمها وإدراك أبعادها. فلا يزال البلدان وإلى جانبهما مصر السد المنيع الصامد أمام العمل الجاري في شكل دؤوب ومتسارع لتفكيك المنطقة وإضعافها، واستهداف البلدان الثلاثة في أمنها واقتصادها سيشكل ضربة أخيرة وقاتلة لها وللمنطقة في ما تبقى من نقاط قوتها وعوامل تماسكها. كثّف الإرهابيون المنتمون لتنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) هجماتهم مؤخراً على أهم وأكبر دولتين إسلاميتين في المنطقة، ففي أسبوع واحد نفذوا هجمات على مطار إسطنبول في تركيا وفي كل من مدينتي جدة والمدينة المنورة بالمملكة العربية السعودية في رسائل واضحة الهدف والمغزى ولا تحتاج إلى كثير من الذكاء لفهمها وإدراك أبعادها. فلا يزال البلدان وإلى جانبهما مصر السد المنيع الصامد أمام العمل الجاري في شكل دؤوب ومتسارع لتفكيك المنطقة وإضعافها، واستهداف البلدان الثلاثة في أمنها واقتصادها سيشكل ضربة أخيرة وقاتلة لها وللمنطقة في ما تبقى من نقاط قوتها وعوامل تماسكها.
على الأرجح فإن «داعش» بطبيعة تكوينه وفكره وطريقة أدائه يؤكد أنه منتج استخباري مشترك بين الغرب وإيران، وليس هذا باكتشاف جديد ولا هو تسطيح للحقائق والبحث عن متهمين لتبرئة المدرسة السنّية من بعض مظاهر الغلو والتشدد والتطرف التي استثمرها الآخرون وفي المقدمة إيران «ولاية الفقيه» التي عملت على استثمار وإعادة إنتاج هذه الأفكار في شكل تنظيمي مدروس بإتقان في كل من العراق وسورية ليكون مبرراً لهيمنتها وسيطرتها وحربها الطائفية التي تشنها في البلدين ومنهما إلى مناطق عدة في العالم كله، ومنها العمل الدؤوب على محاولة صناعة تنظيم «داعش» يمني وتضخيمه على أيدي عناصرها الحوثية في اليمن ليكون مبرراً للضغوط الدولية على الحكومة اليمنية للوصول إلى تسوية سلمية تشرعن لانقلاب الحوثي وتحويل الصراع إلى صراع طائفي مذهبي خارج توصيفه السياسي القائم كانقلاب عسكري وتمرد ميليشياوي مسلح على رئيس منتخب وحكومة شرعية ونظام سياسي قائم منذ عام ٢٠١١ على أساس التوافق الوطني الكامل.
ولهذا نلاحظ أن الإشارة التي جاءت في مشروع البيان الرئاسي الأخير لمجلس الأمن الذي كان يفترض صدوره أول من أمس (الثلثاء) في شأن «داعش» تؤكد ما ذهبنا إليه، وهي وإن جاءت عابرة في المشروع لكنها لا تخلو من الأبعاد التي أشرنا إليها باتجاه المحاولات الدؤوبة من المجتمع الدولي لشرعنة الانقلاب الحوثي بالضغط على الرئاسة والحكومة اليمنية للقبول به والتعامل معه والاعتراف به. ولتمريره تجري محاولات صناعة «داعش» في المناطق المحررة من اليمن وليس في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين كما تقول ذلك طبيعة الأشياء، على افتراض أن «داعش» منتج سنّي تلقائي أنتجته الظروف لمواجهة المد الشيعي الإيراني في مختلف المناطق، لكن الحقائق تقول أن نشاط «داعش» في المنطقة كلها يتركز في المناطق السنّية وضد الأنظمة السنّية وليس العكس، وهو ما يؤكد أن هذا التنظيم هو صناعة استخبارية غربية إيرانية بامتياز.
واجه الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي وحكومته ووفده إلى المشاورات في الآونة الأخيرة ضغوطاً هائلة غير مسبوقة لتمرير الانقلاب والقبول به. وياتي مشروع البيان الرئاسي الأخير لمجلس الأمن كذروة لهذه الضغوط، فهو على رغم إشاراته للتمسك بالقرارات الدولية الصادرة في شأن اليمن وفي مقدمها القرار ٢٢١٦ الصادر تحت الفصل السابع إلا أن مضمون البيان في خطه العام كان أقل حدة تجاه الانقلاب ويتحدث عن ضرورة الإسراع بعمل تسوية سلمية من دون أن يتحدث عن ضوابطها ومرجعياتها ومتطلباتها التي تجعل منها تسوية سلمية مستدامة وليست موقتة. وكان يفترض بالمشروع في حال صدوره أن يقف أمام أسباب التعثر التي حدثت في مشاورات الكويت في شكل متجرد وموضوعي، وأن يحدد من المتسبب في هذا التعثر، لكنه مضى باتجاه القاء العبء في شكل أساسي على الحكومة المنتخبة وليس على الانقلابيين الذين دمروا كل ما تبقى من مقومات الدولة في اليمن.
ومع ذلك لا يبدو في الأفق أن الجولة الثانية من مشاورات الكويت ستنعقد في وقتها المحدد في ١٥ تموز (يوليو) الجاري، وأن الأرجح أنها ستتأجل بضعة أسابيع لمزيد من التأني في الإعداد الذي طالب به الرئيس هادي وحكومته. ولا شك في أن الحكومة اليمنية على حق في ذلك بالنظر إلى حصيلة الجولة الأولى التي استمرت سبعين يوماً ولم تسفر عن أي تقدم بسبب الإستراتيجية الثابتة للانقلابيين والمتمثلة في ضرورة حضور المشاورات والاستفادة منها في تعطيل الحل واختلاق المعوقات والاستفادة من الوقت في تثبيت الأوضاع الراهنة على الأرض وتغيير بنية الجهاز العسكري والأمني والمدني للدولة اليمنية برفده بالآلاف من عناصرهم الميليشياوية العقائدية وفرضها كأمر واقع على أية حلول سياسية مقبلة تجعل منها في حكم المستحيل، فكلما قضت الميليشيات يوماً إضافياً في سيطرتها على العاصمة ابتعدت المسافة أكثر عن إمكانية الوصول إلى حل سياسي عادل ومستدام.
ولأن الرئيس هادي يدرك من خلال تجربته الطويلة والصعبة مع الحركة الحوثية منذ فرضتها الإرادة الغربية على مؤتمر الحوار الوطني عام ٢٠١٢ على رغم تكوينها الميليشياوي المسلح وعدم اعترافها بالنظام السياسي القائم وبالمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، وحتى استيلائها على العاصمة صنعاء وانقلابها عليه، فقد قرر توجيه رسالة صارمة لهم وللمجتمع الدولي الذي يداهن الانقلاب بزيارته المفاجئة لمحافظة مأرب التي صمدت في وجه الانقلاب الحوثي وواجهته منذ وقت مبكر وانطلقت منها أولى مؤشرات المقاومة الشعبية وتبعتها في بقية المحافظات. وأطلق هادي من مأرب موقفه الواضح والصريح برفض قيام دولة فارسية في اليمن وأن اليمنيين سيقاومون هذا المشروع بكل إرادتهم وأنه يرفض أي توجه دولي لفرض الحوثي وسلطته كأمر واقع في اليمن، لأنه يدرك أن هذه السلطة الانقلابية لن تكون سوى خنجر في خاصرة دول الخليج ولن تكون شيئاً آخر، كما أن فرضها بضغط دولي سيؤدي إلى إطالة أمد الحرب في اليمن بل وتمزيقه وتجزئته كلما طال أمدها لأن غالبية اليمنيين لن يقبلوا مطلقاً بنقل أي من تجارب إيران أو العراق أو لبنان في الحكم وسلطة المذهب والطائفة. ومهما كانت ضغوط المجتمع الدولي فإنها لا تستطيع فرض أوضاع مستقرة في بلد ما إذا رفضته غالبية مواطنيه.
نقلا عن الحياة اللندنية
 
 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى