منذ ما قبل اجتياح مليشيا الحوثي لصنعاء في سبتمبر 2014 وبعدها رافق بعض المثقفين والصحفيين هذه المليشيا خطوة بخطوة وكانوا يقومون بدور مشبوه. منذ ما قبل اجتياح مليشيا الحوثي لصنعاء في سبتمبر 2014 وبعدها رافق بعض المثقفين والصحفيين هذه المليشيا خطوة بخطوة وكانوا يقومون بدور مشبوه.
مثقفون وقفوا إلى جوار الحوثيين نكاية بالإصلاح أو انتقاما من قوى ثورة فبراير 2011، وضعوا القضايا المصيرية الوطنية كرهان ولعبةٍ جرتنا في النهاية إلى التفريط بالدولة.
مثقفون بصقوا على ما كتبوه طيلة سنوات كثيرة عن صراع الهضبة ومراكز النفوذ، وعندما بدت راية الحوثي من أعلى الجبل ارتموا سريعا في أحضانها، مبشرين بقدوم العدالة وزوال مراكز النفوذ، حتى قال أحد شعرائهم رأيت الله من جبال مران.. هكذا دفعة واحدة.. رأى الله من جبال مران من جوار ضريح حسين الحوثي، رأى الله من هناك ولم ير كل الظلام المحيط باليمن وبالماضي وبالمستقبل وبأحلام الجماهير.. لم يروا في الطريق إلى مران كل المشردين الذين تعاقبت عليهم حروب الحوثيين منذ الحرب الأولى عام 2004.
ومن فعلوا ذلك نكاية بالإصلاح لم يكونوا قد دخلوا بعد المنتصف الأول من الجحيم، وكانوا جيدين في أداء المسرحية حتى فصلها الأخير، غير أنهم دخلوا مع الشعب المنتصف الآخر من الجحيم.
في الطريق إلى مران أيضا لم يلحظ هؤلاء ممن قاموا بدور الكومبارس الألم المخيم على النازحين جراء حروب جماعة مسلحة أعلنت منذ يومها الأول أن جميع الحروب التي تخوضها هي لاستعادة العرق النقي، ولم يلحظوا أيضا النزعة الوحشية الاستغلالية لدى قادتها الذين التقوهم لمرات عديدة.. بعد أقل من سنتين سيقدم أحدهم اعتذارا باهتا لا يساوي الحبر الذي كتب به، لكن المشردين الذين لم يلحظهم في الطريق إلى مران بقوا كما هم في الطريق إلى مران وأُضيف إليهم الملايين من جميع المحافظات اليمنية.
الكاتب والمثقف في حقيقته هو من ينحاز للقضايا المصيرية في البلاد، هو من ينحاز إلى الضحايا، ومن يقف في صف المظلومين، هو من يقف إلى جوار الشعب وإلى جوار الديمقراطية، هو من يقف إلى جانب مؤسسات الدولة.. في هذه القضايا المصيرية من حياة الوطن لا معنى للوقوف في الوسط، ولا معنى للتوقف في المناطق الرمادية وتحت دثار المواقف الضبابية.
القتال الدائر اليوم حول قضايا مصيرية، فتعز ومأرب والضالع وقبلهم عدن تمثل اليوم ركائز النظام الجمهوري، ومهما شابَ هذه الراية “راية الشرعية” من بقع سوداء فإن الاتفاق حولها واجب للحفاظ على الدولة ومؤسساتها حتى في أدنى حدودهما.
هذا لا يعني بحال من الأحوال عدم نقد تحركات الشرعية ومؤسساتها، ولا يعني التغطية على إخفاقاتها الكثيرة في الميادين العسكرية والسياسية.
اللغة الثقافية المخاتلة والانتهازية لا يمكنها الدفع بمصير الأمم نحو الأمام، لا يمكنها الانحياز للمستقبل إلا إذا كان هذا المستقبل متسقا مع المصالح الذاتية.
خسر المثقفون اليوم كلما أنجز خلال عقود في اليمن من مقولات ثقافية، وها نحن نتوسل المليشيا أن تطلق إخواننا الصحفيين والناشطين السياسيين المحتجزين في سجونها منذ أكثر من عام.