يشيد الشعب اليمني الحر بإصرار رئيس الوزراء، أحمد بن دغر، على البقاء في عدن، العاصمة الثانية لجمهورية اليمن، مع أعضاء حكومته، على الرغم من الصعاب والمحن التي تعتور بقاءهم في المدينة البائسة.
يشيد الشعب اليمني الحر بإصرار رئيس الوزراء، أحمد بن دغر، على البقاء في عدن، العاصمة الثانية لجمهورية اليمن، مع أعضاء حكومته، على الرغم من الصعاب والمحن التي تعتور بقاءهم في المدينة البائسة.
(1)
أرجو أن تتسع صدور قادة التحالف هالعربي، بجميع مستوياتهم، لما سنورد في هذه المقالة، وهو نابع من إيماننا بحرية الرأي البنّاء، وحرصاً على مستقبل التعاون بين دول مجلس التعاون الخليجي والشعب اليمني، ووحدة الصف والمواقف الخليجية في هذا الشأن.
أولاً، يجب الإقرار بأن من حق القيادة اليمنية الشرعية، وهو حق سيادي، أن تعيد النظر في جميع تشكيلاتها الإدارية والعسكرية والأمنية والسياسية، في كل مستوياتها، وأن تعيّن وتقيل وتحيل إلى التقاعد، وتعاقب وترقي إلى درجات أعلى، مَن ترى أنه يحقق أهداف الدولة التي تعيش في حالة حربٍ فرضتها على الشعب اليمني ثلةٌ من البغاة السياسيين الطامعين في الهيمنة والسيطرة على اليمن، لتحقيق مصالحهم الذاتية والقبلية، أعني التحالف بين الحوثيين وعلي عبدالله صالح. لكن، من حق دول التحالف، الشريك الفعال لعودة السلطة الشرعية إلى العاصمة صنعاء، أن تُحاط علماً بمشروع التغييرات في القيادات العليا قبل تنفيذها، وذلك يدخل في باب المجاملة الدبلوماسية، وليس من أجل أخذ الرأي. وعلى الدول الخليجية أن تتفهم مقاصد السلطة الشرعية من أي تغييرٍ أو تعديلٍ في قياداتها، انطلاقا من القول “أهل اليمن أدرى بشؤونهم”.
(2)
لا جدال في أنه من حق الدول الخليجية الفاعلة في التحالف العربي أن تعتب على بعض التغييرات، التي حدثت في المناصب السيادية العليا في اليمن، لأنه لم يتم إطلاعها على ما جرى، إلا بعد الإعلان الرسمي عن ذلك، كما يقول أصحاب العتب الخليجي. في المقابل، ليس من حق هذه الدول أن ترفض أية قراراتٍ تتخذها القيادة السياسية الشرعية، طالما كانت لا تضرّ ولا تتنافى مع مواجهة الإرهاب في اليمن، بجميع أشكاله وتنظيماته، ولا تتعارض مع مشروع قوات التحالف في ردع الباغين على مقاليد الأمور في اليمن (الحوثي وصالح) وعودة السلطة الشرعية إلى العاصمة. اليمن دولة ذات سيادة تتعرّض لمحن سياسية واقتصادية واجتماعية وعسكرية، فلا يجب التعامل مع اليمن شعباً وحكومةً، وهم في حالة ضعف وحاجة، بتعالٍ، أو ترفع من بعض قياداتنا أو موظفيها في الخليج. لن ينسى اليمني، في كل مستوياته، ما يتعرّض له سلباً أو إيجاباً، فكونوا معه ولا تكونوا عليه، ولا تزيدوا من محنته وآلامه.
“عاملوا أهل اليمن معاملة كريمة، ولا تجعلوا الحاجة تذلّهم، فإنهم أصلكم ومادتكم. أنقذوا مستشفياتهم من الهلاك، وكوادرهم الطبية من الحاجة والتسول”
(3)
عاد، في الشهر الماضي، رئيس الوزراء، أحمد بن دغر، نهائياً إلى عدن، العاصمة الثانية المحرّرة من البغاة، ومعه معظم وزرائه، على أمل أن يكتمل طاقم الوزارة في أقرب فرصة ممكنة. لكن، تناقلت وسائل الاتصال الاجتماعي بين اليمنيين أخباراً مفادها بأن الوزراء اتجهوا، ساعة وصولهم إلى مطار عدن الدولي إلى قصر المعاشيق، وهو مقر حكومي، ولم يجدوا لهم مساكن يأوون إليها تليق بمكانتهم، ومنحوا ثلاث غرف نوم، أي كل أربعة وزراء ينامون في غرفة واحدة، كما تقول المعلومات. ولم يمانعوا في ذلك، لكن تلك الغرف تنعدم فيها وسائل ضرورية عند حاجة الفرد للاستجابة لنداء الطبيعة.
تقع مسؤولية حماية قصر المعاشيق وصيانته ضمن مهمة وحدةٍ من وحدات قوات التحالف العربي. تعاملت هذه القوة بتعسّفٍ مع هؤلاء الوزراء، فتشت حقائبهم وأجهزة الحاسوب، وكأنّ الوزراء سياح، وليسوا قيادات رسمية عالية المستوى، إلى جانب انعدام توفر الغذاء وهم صيام، على الرغم من وجود مطابخ متعدّدة في القصر، ووجود طباخين لتلك القوة العسكرية، يمكن تزويد هولاء الوزراء، وخصوصاً في شهر رمضان المبارك، بالطعام. ومن الصعوبة الإتيان بتغذيةٍ لهم من خارج القصر إلا بشق الأنفس بذريعة متطلباتٍ أمنية، وعندما همّ الوزراء بالخروج من قصر المعاشيق، نُصحوا بغير ذلك لأسباب أمنية. هكذا تورد وسائل الاتصال الاجتماعي اليمني.
السؤال: هل تلقت هذه القوة العسكرية، التي يقع القصر ضمن مهمتها الأمنية، تعليماتٍ من قيادة التحالف العليا بالتضييق على وزراء الدولة، بتلك المعاملة غير اللائقة، حتى بقوات التحالف وقياداتها، أم هو تصرف فردي اتخذه قائد حراسة قصر المعاشيق الحكومي؟ ليس هذا فقط، ولكن لم توفر قوات التحالف وسائل مواصلات للوزراء، ليقوموا بمهامهم والاطلاع على حاجيات الشعب، وسير العملية الأمنية، وتفقد أحوال الناس في المحافظات المحرّرة من الحوثيين وصالح. هذه الحكومة بلا ميزانية، ولو حتى مصروف جيب للوزير. أليس ذلك عيباً، سيظل يلاحق دول التحالف إلى يوم معلوم؟
(4)
يئن أهل تعز من شدة المصائب التي حلت بهم، عاماً ونيفاً، وهم يتعرّضون للقصف بكل أنواع الأسلحة تنهال عليهم من كل جهة، ولا معين لهم ولا ناصر. يقول أهل تعز: دول التحالف لا تمدّنا بما يجب لتحقيق النصر على الحوثي وصالح. ذريعتهم في ذلك أنهم لا يريدون نصراً يتحقق بقوة حزب الإصلاح، وآخرون لا يريدون نصراً يتحقق بقوة السلفيين، والضحية تعز وأهلها واليمن عموماً. لا نريد أن ندخل في باب الاتهامات والاتهامات المضادة لأطرافٍ يمنيةٍ. لكن، أقول، والحق يقال، إن على دول التحالف أن تحسم قضية تعز عاجلاً، وبقيادتها، وتفرض سلطتها بعيداً عن حزب الإصلاح والسلفيين.
(5)
ليس سراً أن دول مجلس التعاون أنفقت على موائد رمضان في كل أرجاء الأرض مبالغ طائلة، وأن 55% من الموائد الرمضانية ينتهي بها الأمر إلى النفايات، كما تذكر الصحافة الخليجية.
أليس عاراً على هذه الأمة أن تستغيث محافظة تعز لإنقاذ المستشفى الوحيد فيها (مستشفى الثورة)، وتزويده بالمعدّات والأطباء والمتطوعين والأدوية الصالحة للاستعمال البشري لإنقاذ المرضى المكوّمين في ردهات المستشفى والطرقات من حوله، لأنه لا وجود لأسرّةٍ، ولا غرف عمليات صالحة، لأن الحوثي وصالح دمروا كل شي في تعز خصوصاً، وفي اليمن عموماً.
الحكومات وأهل الخير في الخليج قادرون على إنقاذ المستشفى المذكور بكل ما يحتاج من صيانةٍ ومعداتٍ طبيةٍ وإنقاذ كوادره الطبية والتمريضية وموظفيه، بدفع مرتباتهم، إذ لم يصل إليهم أي مددٍ مالي منذ أشهر.
آخر القول: عاملوا أهل اليمن معاملة كريمة، ولا تجعلوا الحاجة تذلّهم، فإنهم أصلكم ومادتكم. أنقذوا مستشفياتهم من الهلاك، وكوادرهم الطبية من الحاجة والتسول. واعلموا أن اليمن رصيدكم البشري لمواجهة المحن القادمة علينا جميعاً.
—————–
نقلاً عن (العربي الجديد).