لم تتوقف الحرب التي جلبها الحوثيون وحزب الرئيس السابق علي عبدالله صالح لليمن، مطلع العام الماضي، عند قتل اليمنيين بالأسلحة الثقيلة والمتوسطة فحسب، بل امتدت إلى كل ما هو منقذ للحياة. يمن مونيتور/ وحدة التقارير/ خاص
لم تتوقف الحرب التي جلبها الحوثيون وحزب الرئيس السابق علي عبدالله صالح لليمن، مطلع العام الماضي، عند قتل اليمنيين بالأسلحة الثقيلة والمتوسطة فحسب، بل امتدت إلى كل ما هو منقذ للحياة.
اختفت الأدوية من السوق اليمنية، وخصوصا الخاصة بالأمراض المستعصية، ويوما بعد آخر، يجد عشرات آلاف المرضى أنفسهم أمام خيارين لا ثالث لهما: الدواء أو الموت.
وخلال الأيام الماضية، وقفت المراكز الصحية الرسمية كـ(الفشل الكلوي – السرطان – السكري الكبد – الثلاسيميا – الصرع) عاجزة عن تقديم أي أدوية لمرتاديها من المرضى، جراء نفاد الأدوية، وطالبت وزارة الصحة الخاضعة لسيطرة الحوثيين، بتوفير تلك الأدوية.
ويقول مسؤولون في المراكز الصحية لـ”يمن مونيتور”، إن مطالباتهم المستمرة لوزارة الصحة بتوفير الأجهزة الطبية والأدوية، يتم الرد عليها بعدم وجود ميزانية مخصصة، لأن وزارة المالية، أوقفت مخصصات الانتاج الدوائي لشراء الأدوية منذ العام 2015، وهو العام الذي أحكم الحوثيون فيه قبضتهم على مفاصل الدولة في العاصمة ومدن يمنية أخرى.
وأمس الأول الاثنين، لم يكن أمام وزارة الصحة، سوى إطلاق “نداء استغاثة” لرجال الأعمال والمواطنين للتبرع وانقاذ آلاف مهددة حياتهم بالموت من ذوي الأمراض المزمنة بالمراكز الصحية بالعاصمة.
مأساة حقيقية
وذكر وكيل قطاع الطب العلاجي بوزارة الصحة، ناصر العرجلي، في بيان الاستغاثة، أن الوضع الصحي، يقترب من “مأساة حقيقية تتسع ولا تبشر بخير”، إذا ما استمرت الحرب والحصار في اليمن، لافتا إلى أن “الأمل معقود على ما تجود به أياد من وصفهم بـ”الخيرين الشرفاء من أبناء بلد الإيمان والحكمة”.
وقال البيان إن المخازن المركزية التابعة لوزارة الصحة ومقار المراكز الرسمية الخاصة بصرف الأدوية بأنها تعاني من “شلل شبه تام، لافتا إلى أن “طوابير طويلة يصطفون فيها كل يوم المرضى لساعات عديدة في الصباح والمساء ولأيام ويصل إلى أسابيع وفي الغالب لا يجنون إلا المشتقة والتعب”.
وأشار البيان إلى أن المشهد “أصبح مألوفاً أمام الصيدلية المركزية لوزارة الصحة ومقار المراكز الرسمية والجمعيات المعنية بصرف الأدوية المدعومة للمصابين بالأمراض المزمنة، وأغلبهم بطبيعة الحال من الفقراء والمعوزين، علهم يحصلون على الأدوية المقررة والمتاحة، لتنزيل أو تخفيف جحيم العناء والأوجاع عنهم.
السرطان: 49 ألف مصاب بحاجة لجرعات كيماوية
يحتل مرضى السرطان النسبة الأعلى في انعدام الأدوية الخاصة بهم، ووفقاً لإحصاءات رسمية، حصل عليها “يمن مونيتور”، فقد بلغ عدد مرضى السرطان الذين تمكنوا من الوصول إلى المركز الوطني للأورام 49 ألف مصاب والذين يتم علاجهم في مراكز الأورام التابعة للبرنامج الوطني للأورام.
وتؤكد وزارة الصحة أن الأدوية التي كانت توزع عليهم بمبالغ رمزية، أو ما يُعرف بـ”الدواء المدعوم من الدولة” والخاصة بجرعات العلاج الكيماوي، لم تعد موجودة في المخازن المركزية التابعة لوزارة الصحة ومقار المراكز الرسمية الخاصة بصرف الأدوية.
وأرجع مدير البرنامج الوطني للأورام السبب الرئيس في انعدام الدوام إلى “الحرب الدائرة والحصار، وما ترتب عليهما من حدوث فجوة تمويلية نتيجة الإمكانيات المتاحة لدى وزارة الصحة وبرنامج معالجة الأورام”.
السكري: 16 ألف مريض لا يجدون أدوية
ويحتل مرض السكري المرتبة الثانية في قائمة الأمراض المستعصية بـ 16400 مريضاً، وهم من ذوي الدخل المحدود ويعتمدون على الأدوية المدعومة من الحكومة.
وقال الدكتور عبدالكافي ناصر الحداد، نائب مدير عام المركز الوطني للسكري، إن عدد المصابين بمرض السكري، بنوعيه الأول والثاني، ويتلقون العلاج في المركز يقدرون بـ 16400 مريضاً من الفقراء، لافتا إلى أن “هناك الكثير ممن لم يتمكنوا من الوصول للمركز، ويتعالجون على نفقتهم الشخصية”.
وأكد الحداد أن المركز الوطني للسكري في “حالة عجز تام” عن توفير الأدوية المختلفة للمرضى بنسبة 100% بسبب انقطاع دعم الشركات منذ أكثر من عام وتحديداً منذ بداية الحرب.
الثلاسيميا: مصابون بالآلاف
و فقا للمدير التنفيذي للجمعية اليمنية لمرضى “الثلاسيميا” في اليمن، الدكتور جميل الخياطي، فإن أكثر من 30 ألف حالة مرضية في الجمهورية، مصابين بمرض الثلاسيميا، لافتا إلى أن العدد في تزايد رغم نقص الأدوية الضرورية.
وقال الخياطي لـ”يمن مونيتور”، إن هناك معاناة كبيرة نتيجة شحة بعض الأدوية مثل الأكسيد وحقن الديسفرال، لافتا إلى أن “أجهزة سحب الحديد توقفت بشكل تام، ما اضطر الجمعية إلى استخدام علاج بديل وهو حبوب الأكسيد”.
واعتبر الخياطي أن نسبة المرض في ارتفاع مستمر، حيث سجلت أمانة العاصمة أكثر من 5600 حالة مرضية، وسجلت محافظة تعز، وسط البلاد، 6 ألف حالة، فيما سجلت محافظة حجة 1800 حالة، لافتا إلى أن هناك نسب متفاوتة في المحافظات الأخرى حيث تجاوز اجمالي الحالات 30 ألف حالة مرضية في عموم البلاد.
وتم تسجيل وفاة 100 طفل نتيجة انعدام الأدوية وقلة المحاليل والمستلزمات الطبية لمرضى الثلاسيميا، أكثرها في عام 2015 لتوقف صرف جهاز سحب الحديد من جسم المريض بـ”الثلاسيميا”.
32 مركزاً للغسيل مهدد بالتوقف
وبالنسبة لمرضى الغسيل الكلوي، تظهر التقارير التي كشفت عنها وزارة الصحة مؤخراً، عن وجود 7000 من مرضى الغسيل يتوزعون على 32 مركزاً خاصاً بالغسيل الكلوي على جميع محافظات البلاد.
وتعاني الكثير من هذه المراكز التخصصية من نقص الإمكانات مثل “مواد الغسيل الكلوي”، وبعض التجهيزات وقطع الغيار، وحسب تشير احصائيات رسمية، هناك (2200) حالة زراعة كلى تستدعي ضرورة توافر الأدوية المثبطة للمناعة التي تعتبر من جملة الأدوية المنقذة للحياة.
تحذيرات أممية
وفقاً لآخر البيانات الصادرة عن مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في اليمن، فإن أكثر من 14 مليون شخص من بين نحو 26 مليون يمني، لا يستطيعون الحصول على رعاية صحية كافية، بينما يحتاج ثلاثة ملايين طفل وامرأة إلى العلاج من سوء التغذية والخدمات الوقائية.
ووصف منسق الشؤون الإنسانية في اليمن، يوهانس كلاو، الصراع الحالي في اليمن بأنه مدمر، حيث تأثرت به 20 من أصل 22 محافظة (وحدة إدارية)، فيما يحتاج نحو 21,2 مليون شخص ما نسبته 82 بالمائة من السكان إلى المساعدة.
وذكر التقرير إن معظم المؤسسات العامة في البلاد بالكاد تعمل، فالقطاع الصحي لا يمكن أن يتوفر للجرحى والمرضى فثلاثة أطباء لكل 10،000 شخص، في حين يحتاج 14 مليون شخص الحصول على الرعاية الصحية.
75% من القطاع خارج السيطرة
وتطلق “الصحة” صفارات إنذار الخطر في وقت تعج مستشفيات العاصمة الحكومية، بجرحى مقاتلي الحوثي القادمين من جبهات القتال في محافظات مختلفة جراء حروبهم في تلك المناطق، ما جعلها تعيش حالة من العشوائية والاكتظاظ.
ويتزامن التدهور الحاد في القطاع الصحي، مع إعلان وزارة الصحة عن توقف ما نسبته 75 بالمائة من القطاع في عموم مناطق البلاد بسبب الحرب وانعدام المشتقات النفطية التي يحتاجها القطاع لتشغيل مرافقه والقيام بدوره في عموم المستشفيات.