ثلاثة عقود لنهب اليمن… واسترداد الأموال في نفق مجهول
تتصاعد أزمات اليمن الاقتصادية، وتنمو ديونه بوتيرة عالية، ويقابل ذلك اتساع كبير في رقعة الفقر التي أصبحت تستحوذ على ما نسبته 82% من إجمالي السكان، وفقاً للبيانات الرسمية. وفي الوقت ذاته، يعجز هذا البلد عن استعادة أمواله المنهوبة، والتي جمعها نظام الحكم السابق عن طريق الفساد واستغلال ثروات البر والبحر، بعدما سيطر على مورد النفط، إلى جانب احتكار عائدات الثروة السمكية. يمن مونيتور/صنعاء/العربي الجديد
تتصاعد أزمات اليمن الاقتصادية، وتنمو ديونه بوتيرة عالية، ويقابل ذلك اتساع كبير في رقعة الفقر التي أصبحت تستحوذ على ما نسبته 82% من إجمالي السكان، وفقاً للبيانات الرسمية. وفي الوقت ذاته، يعجز هذا البلد عن استعادة أمواله المنهوبة، والتي جمعها نظام الحكم السابق عن طريق الفساد واستغلال ثروات البر والبحر، بعدما سيطر على مورد النفط، إلى جانب احتكار عائدات الثروة السمكية.
اليوم يعيش المواطن اليمني حالة من التردي المعيشي، بعد تراجع متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي إلى 326 دولاراً للفرد في العام 2015، حيث اتجه المستوى العام لمعيشة الغالبية العظمى من السكان إلى ما دون حدود خط فقر الغذاء العالمي، في حين أن الأموال التي نهبها النظام السابق كفيلة بوضع هذا الشعب على خارطة الشعوب المتمتعة بالرفاهية.
تصل ثروة الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، إلى نحو 60 مليار دولار، جمعها خلال فترة حكمه الممتدة لثلاثة عقود، ومصدرها الفساد، وفقاً لتقرير الأمم المتحدة الصادر في شباط/ فبراير من العام الماضي. وقد استطاع صالح أثناء حكمه السيطرة على مختلف موارد الدولة وصولاً إلى الثراء، خاصة السيطرة على موردي النفط والغاز. ووفقاً للتقرير الأممي، فإن هذه الأموال جمعت جزئياً عن طريق الفساد المتصل خصوصاً بعقود النفط والغاز، وحصول صالح على رشاوى مقابل امتيازات تنقيب حصرية.
وفقاً للتقرير الأممي، فإن هذه الأموال جمعت جزئياً عن طريق الفساد المتصل خصوصاً بعقود النفط والغاز، وحصول صالح على رشاوى مقابل امتيازات تنقيب حصرية
عاش اليمن 33 عاماً في ظل نظام صالح بعيداً عن التنمية الحقيقية، وخلال الفترة ذاتها تم اكتشاف وإنتاج النفط الذي كان يُعول عليه من أجل انتشال البلد من واقعه المرير، إلا أن سوء إدارة هذا المورد واستشراء الفساد فيه حالا دون حدوث تطورات في الاقتصاد الوطني، وظلت فوائده تذهب لفئة لا تتجاوز 5% من إجمالي سكان اليمن. وكان رئيس النظام الحاكم هو المستفيد الأكبر، حيث نمت ثروته بمعدل ملياري دولار سنوياً، وفق تقرير الأمم المتحدة.
تقول الباحثة الاقتصادية ندى عبدالملك، لـ”العربي الجديد”: “إن غياب المشاريع التنموية وعدم قدرة البلد في الاستفادة من موارده، خاصة النفط، دليل على تجذر الفساد وتسخير الدولة ومواردها لصالح فئة محددة حققت الثراء على حساب الشعب”.
وتشير عبدالملك إلى أن ما شهده اليمن على مر أكثر من ثلاثة عقود من ممارسات إقصاء وتهميش للكفاءات في إدارة الدولة وغياب العدالة الاجتماعية، والسماح بإدارة الدولة لأشخاص وجماعات محسوبة على النظام الحاكم، عوامل أسهمت في تسهيل مهمة استنزاف موارد الدولة لصالح الحاكم. وتضيف: “نتيجة هذه الممارسات تولّد اقتصاد هش، وغابت التنمية، واتسعت رقعة الفقر والبطالة، بالإضافة إلى غياب الأمن والاستقرار”.
يؤكد تقرير الأمم المتحدة أن الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، وضع هذه الثروة في نحو عشرين بلداً. وتشمل هذه الأصول المالية والعقارية عقارات ومبالغ مالية وأسهما وذهبا وسلعا قيّمة أخرى. ووفقاً لمعدي التقرير الأممي، فإن هناك تحقيقات لكشف صلات صالح برجال أعمال ساعدوه في إخفاء أمواله.
ويواجه اليمن حالياً صعوبات تعرقل عملية استرداد أمواله المنهوبة، خاصة في ظل ضعف الرقابة المحلية من قبل المنظمات المدنية، إلى جانب ضعف القضاء وسيطرة النظام الحاكم على الأجهزة الرقابية والمحاسبية وتسخيرها لمصلحته، بحسب الباحثة ندى عبدالملك، التي تشير إلى أن الموقف الدولي متذبذب في تمكين اليمن من الاستفادة من هذا الأموال واستعادتها من أجل دعم التنمية.
إلى ذلك، أصدر مجلس الأمن الدولي في تشرين الثاني/ نوفمبر 2014 عقوبات بحق الرئيس السابق علي عبدالله صالح، من بينها تجميد أمواله. ويشير التقرير الصادر عن الأمم المتحدة إلى أن صالح توقع مبكراً صدور عقوبات دولية بحقه، ما جعله يتخذ تدابير وإجراءات سريعة لإخفاء أمواله، حيث كان لديه متسع من الوقت للالتفاف على التدابير المتخذة لتجميد الأموال.
أما رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي مصطفى نصر، فيقول لـ”العربي الجديد”: “لا يوجد رقم محدد لأموال صالح سوى ما أعلنته الأمم المتحدة من امتلاكه ما يصل إلى 60 مليار دولار موزعة في اتجاهات عدة”، ويشير إلى أن هناك تقارير غير رسمية تتحدث عن ثروة تقدّر بنحو 40 مليار دولار. ويضيف نصر: “لقد تم تجميد بعض أموال صالح، فيما جزء آخر منها عبارة عن استثمارات بأسماء أخرى”.
وعن استرداد الأموال التي نهبها الرئيس السابق صالح، يقول مصطفى نصر: “ليس من السهل استرداد هذه الأموال، فهي عملية معقدة للغاية، إذ تحتاج إلى أحكام قضائية ومخاطبات للدول التي فيها هذه الأموال من قبل القضاء المحلي. لذا فإنه من الصعب استرداد تلك الأموال. وعلى سبيل المثال، فإن تونس وليبيا لم تتمكنا من استرداد الأموال رغم أن هناك أحكاماً قضائية في بعضها”، ويشير نصر إلى أن موضوع التحكم بالأموال يعود إلى مدى التزام الدول بقرارات مجلس الأمن التي أقرت بخصوص تجميد تلك الأموال.