كل الأطراف متضررة ومنكوبة من مأزق التدهور والانفلات الكبير والحرج والبائس للأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية والإنسانية كل الأطراف متضررة ومنكوبة من مأزق التدهور والانفلات الكبير والحرج والبائس للأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية والإنسانية. لذلك فإن إيقاف الاقتتال أولوية قصوى، باتجاه تخفيف حدة التناقضات الداخلية، ومعالجة الخلافات، وحل الاستعصاءات. بينما لا مكان اليوم -كما يفترض- للتعنت أو للتشنج من قبل كل الأطراف على السواء، ما بالكم باستمرار خبالة ونزق حالتي الأنانية والمكابرة، التي لم تتوقف لحظة عن إنتاجها تلك الأطراف العبثية والقاسية التي لم تقدم أي تنازلات موضوعية لحقن دماء اليمنيين، بقدر إصرارها العجيب على استمرار المغامرة بالمصلحة الوطنية العليا لليمن، مؤكدة فشلها اللامعقول في استخلاص دروس وعبر مختلف التحولات والتوازنات المتسارعة، لكأن همها الوحيد فقط هو صناعة الخراب المؤلم والابتهاج الهوسي به، فضلاً عن استثمار مشاكل اللا دولة العميقة، ومتاعب الشعب المنهوك التي لا تعد ولا تحصى.
لكن ..كيف تم اختزال الشعب الى أسرة من مران وأسرة من سنحان؟
والحال أن الشعب الذي رفض اختزال الشعب في مركزية أسر من قبيلة حاشد؛ هو نفسه الشعب الذي يرفض اختزال الشعب في مركزية أسر من قبيلة بني هاشم .
ذلك أنه الشعب الذي صار أكثر إدراكا لاحتيال الطبقات التي لا تقبل المساواة مع اليمنيين.
فالشعب الذي لم يستفد من انقلاب الحاشدية السياسية -باسم الثورة الاولى-على الهاشمية السياسية؛ هو ذاته الذي لم يستفد من انقلاب الهاشمية السياسية على الحاشدية السياسية بالمحصلة.
على أن الصراع طوال 55 عاما لم يكن من أجل دولة حقيقية وشعب حر؛ وإنما من أجل شعب مرهون ودولة مختطفة.
ثم إن تبادلية أدوار الحكم مابين القبيلة والمذهب -وهي تغفل بقية اليمن الزاخر بالتعدد والتنوع-لايمكنها أن تفضي إلى دولة نظام وقانون ومواطنة وعدالة وتمدن وديمقراطية وحقوق وواجبات متساوية لكل اليمنيين .
بينما النتيجة الطبيعية لهذه الاحتكارات والاستئثارات والمفاسد التاريخية، هو أن غلبة منطق السلاح ومن ثم الإكراه قد عرته تماما غلبة منطق السلمية ومن ثم المقاومة أيضا.
لكن هل من عقلاء وحكماء يصونون ماتبقى من إحساس وطني جامع، أم أن المستقبل سيبقى رهن اللامبالاة والانتقامية فقط؟
هل من تنازلات صائبة؛ أم أن التشبث بأخطاء عدم المراجعات هو ماسيستمر؟
إن اللحظة مفصلية .. والجراحات قد طالت الجميع بلا استثناء؛ فهل نتخذها فرصة وطنية مثالية للتعقلن ولتفعيل المسؤولية الكبرى، أم أن اصحاب المصالح الخاصة لن يستطيعوا التخلص من بشاعة أنانيتهم كما سيمكنون البشاعة المضادة من التفاقم وهذا هو الأسوأ؟
ذلك أن تطييف الصراع بدلاً من تسييسه يعني الإمعان في حالة التيه الوطني وتأجيج الكراهيات وحرف تراكم النضال المدني عن معناه الحقيقي؛ ما يعني وضع الصراع في قالب أخرق وأهوج ودموي وبدائي لا يصب في مصلحة الدولة والمجتمع على الإطلاق.
تطييف الصراع ليس سوى التعزيز لمراكز الهيمنة التاريخية ما قبل الوطنية، أي تعزيز آثام وموبقات الوعي المعطل لنشوء دولة الشراكة والكرامة والقانون والعدل.
ثم إن الخطر الذي نخشاه أن يتحول الصراع إلى صراع عنصري، وعلينا ألا نقود إلى مباركة اضمحلال السياسة وتصدر العنف على الإطلاق، كما أن استمرار التمترسات بضراوة خلف أفكار وتصوّرات وآليات محدّدة في إدارة الدولة والمجتمع لابد أن يفاقم من اندلاع المخاوف الوطنية الكبرى.
ولنعمل من أجل أن يرضخ الجميع لقيمة الدولة كدولة لا كعصا بيد جماعة أو قوى، لنعمل من أجل أن تفرض الدولة نفسها كما ينبغي للدول أن تكون.
باختصار شديد” يجب على الدوام تنمية الوعي الوطني اللازم بضرورة كسر هذا الطوطم الرهيب عبر إعادة المعنى للإرادة وللسياسة وللتنوير وللتحديث وللتعدد كما للاختلاف السلمي وللإبداع الخلاق ولمناهضة الاستبداد وللكينونة المطمئنة ولتفعيل حقوق المواطنة والمواطن، وصولا إلى ضمان مساواة كافة أبناء الدولة المدنية أمام القانون وفي الواقع كذلك، ما يتفق وتجفيف الإرهاب والقسر، ورقي الإنسان والدولة، وعدم الوصاية الديماغوجية على المجتمع .