الليد الأفريقي الذي ظل يتحرك في دمي لسنوات طويلة، هو ذاته الليد الذي أتلبسه اليوم لاجئاً في صنعاء، ونازحاً في الحجرية، ومهاجراً غير شرعياً في عدن وحضرموت وأجزاء واسعة من اليمن!!
الليد الأفريقي الذي ظل يتحرك في دمي لسنوات طويلة، هو ذاته الليد الذي أتلبسه اليوم لاجئاً في صنعاء، ونازحاً في الحجرية، ومهاجراً غير شرعياً في عدن وحضرموت وأجزاء واسعة من اليمن!!
وما من شيء أفتقده في اليوم العالمي للاجئين أكثر من ذلك الليد الذي ظل يتحرك في دمي كلما قابلت لاجئاً أفريقيا!..
هو الليد الذي كون إدماني للبنة الأثيوبية، كما كون زيجات وعائلات أجدادي بين يابستين متقابلتين حولتا البحر منفذا وليس سدا.
وبمناسبة اليوم العالمي للاجئين الذي زارنا مطلع الأسبوع كان على مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة أن “تدلعني بـ”النازح الداخلي”!!
مع أنها لو بحثت عني بأدوات البحث والتحليل النفسي والإنساني الأكثر دقة ستجدني لاجئا عالقا في “جحر الحمار الداخلي”، على أقل تقدير!
وبالمناسبة ذاتها، تحدث تقرير أممي عن مليوني ونصف المليون نازح، وهذا يعني بأن قرابة 10 % من اليمنيين، شملهم هذا النزوح الداخلي.
كم نازحاً داخلياً ياليد سيكون في عداد اللاجئين لو لم تكن حدود اليمن البرية مع بلدان الجوار العربي ولا سيما المملكة السعودية حدود موصدة؟
من هنا جاز لنا وصف النزوح الداخلي في اليمن باللجوء المقنع، ذلك أن الحرب المندلعة بلا توقف أخذت تكرس سلطة الكيانات والجماعات الأدنى من الدولة وجعلت هذه الكيانات تتصرف كما لو أنها دول، الأمر الذي جعل لجوئك إلى جيبوتي أو الصومال أسهل بكثير من نزوحك الداخلي الى عدن وحضرموت ومناطق أخرى وصفت بالمحررة في جنوب وشرق البلاد.
وفي محافظات شمال اليمن اندرج كل إنسان لا يحمل السلاح ضمن الفئات الأشد ضعفا!!
مفارقات عجيبة ومؤلمة..
هل حدثت نفسك ياليد كم هو مسدود طريق هجرتنا ولجوئنا الإنساني الى بلدان التحالف العربي لدعم الشرعية وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية؟
فبين صعوبات نزوحك الداخلي والأفاق المسدودة للجوئك الى بلد ما مستقر ومجاور، أصبح طريق هجرتك ولجوئك إلى بلدان القرن الأفريقي الفقيرة والمضطربة، هو الخيار المتاح والأنسب، وهذا ما حدث بالفعل.
قوارب الهجرة الأفريقية التي ظلت تتدفق الى السواحل اليمنية الى أن حلت الحرب بأوزارها هي ذاتها القوارب التي حملت على متنها مسارا عكسيا للهجرة الإقليمية التي انطلقت من السواحل اليمنية وحلت بسواحل الصومال وجيبوتي..
على الرمال الحارقة والمنسية لساحل أبوخ في جيبوتي، صار لليمنيين الفارين من جحيم الحرب سوقا ومدينة تتوسع يوم بعد يوم..
كان على جحيم الحرب اليمنية أن تقذف هذا الساحل الأفريقي الضنك بعشرات الآلاف من المشردين الذين ركبوا البحر هروباً من عدن وتعز وأبين ولحج ومناطق أخرى من اليمن، شهدت الحرب.
وضمن موجة الفرار إلى “ابوخ” ثمة مهاجرين فارين قصدوا هرجيسا بأرض الصومال، وثمة من تابع تقدمه إلى مقديشوا والى حيث يمكنهم أن يساهمون في صناعة المستقبل والحياة، ضمن بلدان القرن الأفريقي التي الفوها منذ قرون.
في النصف الأول من القرن الماضي، استقبلت بلدان القرن الافريقي تلك القوارب الشراعية للمهاجرين اليمنيين الذين فروا من ظلم دولة الإمامة الزيدية..
كانوا يعبرون البحر في مشهد مماثل لقوارب الهجرات الإفريقية المختلطة التي تدفقت إلى السواحل اليمنية خلال العقود الأخيرة.
على أن شعوب البلدان الأفريقية وخصوصا الصومال وأثيوبيا وكينيا وتنزانيا فتحت بيوتها وقلوبها لليمنيين على نحو مكنهم من الانخراط ضمن فئات وتشكيلات المجتمع الأكثر ثراء وتأثيرا في تكوين تلك البلدان.
فيما لم يتحقق اندماج واضح التأثير للأفارقة ضمن النسيج الشعبي اليمني خلال العقود السابقة في ظل تنامي العصبيات المناطقية والمذهبية التي هددت تعايش اليمنين أنفسهم.
المفارقة الأكثر إيلاماً أن يكون جوارك الشمالي الشرقي المشترك معك بالحدود البرية هو جارك الغني الذي لا يسمح بلجوئك وهجرتك القسرية إليه، مع أنه يشن حربا لدعم الشرعية واستعادة الدولة المنهوبة في بلدك!
وفي الوقت نفسه أصبح البحر الذي يفصلك عن جوارك الأفريقي في الجنوب الغربي لبلدك منفذا لهجرتك ولجوئك إليه، مع أنه يصدر الهجرة إلى بلدك!
بين هذا وذاك يشكل يمنك الفقير معبرا خطرا لهجرة الفقراء والمنكوبين الذين تدفقوا لسنوات طويلة من جواره الأفريقي الفقير إلى جواره الخليجي الغني والمحكم سيطرته على حدوده.
مع ذلك ثمة ما يدعوك للفخر، إذ أن يمنك العريق يا ليد هو وحده من وقع وصادق على اتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بحماية اللاجئين بين سائر بلدان الجزيرة!
يتبع.. يا ليد