تراجم وتحليلاتتقارير

تأثير غياب عبداللهيان سياسيا على الحوثيين

مأرب الورد

عُرف عن وزير الخارجية الإيراني، حسين عبداللهيان، الذي توفي مؤخرا، التزامه بنهج اللواء قاسم سليماني، قائد “فيلق القدس” السابق في دعم “محور المقاومة” الذي يضم حلفاء طهران في الشرق الأوسط مثل النظام السوري وحزب الله اللبناني والحوثيين في اليمن، حتى أن برلماني إيراني وصفه بأنه “سليماني آخر في الدبلوماسية”.

ومع رحيله، يجادل البعض بأنه لن يكون هناك تأثير على الحوثيين كما غيرهم من الجماعات التي تدعمها إيران في المنطقة على اعتبار أن هذه سياسة النظام الإيراني نفسه لتعزيز نفوذه الإقليمي، في المقابل يرى آخرون أن غياب عبداللهيان يعني خسارة داعم رئيسي لهم في دوائر السلطة التنفيذية للنظام الإيراني.

بعد تأكيد وفاة عبداللهيان والرئيس إبراهيم رئيسي في تحطم مروحيتهما، أعلن الحوثيون الحداد وإن بشكل غير مباشر من خلال تأجيل الاحتفال بالعيد الرابع والثلاثين لتوحيد اليمن الذي صادف الأربعاء الماضي، حتى انتهاء الحداد الرسمي في إيران.

 

علاقة مبكرة وأدوار متعددة

عقب سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء والسلطة بالقوة في ٢١ سبتمبر ٢٠١٤، اعتبرت طهران ذلك امتداد طبيعي لثورتها ، وفي ذلك الوقت كان عبداللهيان نائب وزير الخارجية لشؤون الدول العربية والأفريقية، وهو المنصب الذي سمح له بتعزيز العلاقة معهم مبكرا وإدارة مهمة تحرير الدبلوماسي الإيراني المختطف حينها، نور أحمد نيكبخت، من خلال عملية معقدة شارك فيها عناصر من الأمن والاستخبارات الإيرانيين وكانت تلك الأولى من نوعها على الأرض في اليمن.

وبعد تدخل التحالف العربي بقيادة السعودية ضد الحوثيين، أصبح عبداللهيان المدافع الشرس عنهم وصوتهم الدبلوماسي في مواجهة الدبلوماسية السعودية، وكان يتحدث بثقة بأن الرياض ستفشل وتبنى سردية تربط بين تدخلها وزيادة الإرهاب.

وخلال بحثي في وسائل الإعلام الإيرانية مثل وكالات مهر وإرنا وفارس وتسنيم وقناة العالم في الفترة ما بين سيطرة الحوثيين على صنعاء وحتى تعيين عبداللهيان وزيرا للخارجية في ٢٠٢١، وجدت أنه كان أكثر مسؤول إيراني يتحدث في الشأن اليمني وكانت مواقفه أقوى بكثير من مواقفه سلفه آنذاك جواد ظريف، وكان يحرص في مقابلاته الصحفية وأنشطته السياسية واتصالاته الدبلوماسية على الدفاع عن الحوثيين بوصفهم مظلومين ويتبنى أجندتهم على المستوى الإقليمي والدولي.

ويمكن تلخيص مضامين تلك المواقف في ثلاثة عناصر الأول البعد القانوني الذي يستهدف ضرب مشروعية التدخل السعودي واعتباره “عدوانا“، والثاني البعد الاقتصادي الإنساني وهو إبراز قضية “الحصار والثالث البعد الحقوقي ويتعلق بالانتهاكات والجرائم التي تطال المدنيين بسبب القصف الجوي.

وبعد توليه وزارة الخارجية، أعلن عبداللهيان اعتزامه تعيين سفير جديد لبلاده في اليمن بعد وفاة السفير السابق حسن إيرلو، في خطوة كانت تهدف لدعم الحوثيين لكن هذا لم يحدث بعد ذلك لأسباب غير معروفة.

وفي ذلك الوقت، أبلغ البرلمان أنه يتطلع “إلى تعزيز إنجازات محور المقاومة. نحن فخورون بدعم حلفائنا”، وكان هذا التوجه يعكس التزامه بنهج سليماني في صياغة السياسة الخارجية للبلاد، انطلاقا من قناعته بأن الدبلوماسية اعتمدت دائما على جهود سليماني في الميدان التي جلبت الأمن والنفوذ لبلاده.

ذات يوم وصف عبداللهيان نفسه بـ”جندي سليماني“، وتفاخر أنه في كل مرة يذهب إلى دولة ما كمبعوث دبلوماسي وتفاوضي، فإنه يتشاور أولاً معه للحصول على التوجيه اللازم، وكان معروفا عنه قربه من المرشد والحرس الثوري ونتيجة لذلك سيكون لغيابه “تبعاته الإقليمية والدولية بشكل أو بآخر”، بحسب صحيفة مقربة من حزب الله.

وفي هذا السياق، سألت مصدرا حوثيا اشترط عدم ذكر اسمه، عن تأثير رحيل عبداللهيان عليهم، فأجاب “لا شك أنه سيترك أثرا وسنفتقد دوره السياسي الذي لطالما حمل قضية اليمن في أجندته الدبلوماسية، لكننا نعتقد أنه تأثير مؤقت لحين إجراء انتخابات، كما أن علاقتنا بإيران لا تتوقف على أشخاص رغم تقديرنا لدعمهم لنا، وإنما على النظام كمؤسسات”.

 

فقدان داعم رئيسي

قاد عبداللهيان حراكا دبلوماسيا مكثفا لإيقاف الحرب في اليمن، وعقد اجتماعات مع قيادات الحوثيين أكثر من سلفه ظريف سواء في سلطنة عمان أو في طهران، وأشاد بما يقومون به في البحر الأحمر باعتباره دعما لغزة، وانتقد القصف الأمريكي البريطاني على اليمن على خلفية ذلك واعتبره انتهاكا لقرارات مجلس الأمن.

ويقول الباحث في الشؤون الإيرانية، عدنان هاشم، إن الحوثيين “يخسرون داعماً رئيسياً لهم في دوائر المؤسسة التنفيذية الإيرانية وهم الميليشيا الطارئة في محور المقاومة التي تحاول التشبث بهذا المحور للحصول على مزيد من المكاسب”.

ويلفت الانتباه في حديثي معه إلى أنه على مدى سنوات الحرب كان عبداللهيان ملجأ الحوثيين في إيران، أول المسؤولين الذين يستقبلهم وآخر مسؤول يتم مقابلته قبل مغادرة طهران، بالنظر إلى توليه ملف اليمن ودعم الحوثيين دبلوماسياً في مناصبه المختلفة.

 

استبعاد التأثير السياسي

وعلى العكس من ذلك، يستبعد الباحث في العلاقات الدولية محمود علوش، أن يؤثر غياب عبداللهيان أو حتى رئيسي على السياسة الخارجية الإيرانية على اليمن وبقية مناطق نفوذ طهران في المدى المنظور ويدلل على ذلك “بعدم حدوث أي تأثير بعد مقتل قاسم سليماني الذي كان يلعب دورا كبيرا في ترسيخ نفوذ طهران الإقليمي والتنسيق بين حلفائها ومنهم الحوثيون”.

ويؤكد في مقابلة معه أن الذي يشكل السياسة الخارجية هو المرشد علي خامنئي والحرس الثوري الذي يضطلع بدور المنفذ لهذه السياسة في اليمن وغيرها من مناطق النفوذ.

ويستدرك الباحث قائلا “لكن بطبيعة الحال ما جرى في إيران بدأ يطرح تساؤلات حول ما إذا كان مقتل رئيسي نتيجة لمؤامرة داخلية وعمّا إذا كان مؤشر على صراع أجنحة داخلية لأن سيناريو من هذا القبيل قد يؤدي إلى حالة من عدم الاستقرار في الداخل وهذه الحالة ستنعكس بدورها على السياسة الخارجية بالمنطقة لا سيما في اليمن لكن حتى لو كان هناك صراع أو تنافس أجنحة داخلية ففي نهاية المطاف من يرسم السياسة هو المرشد والحرس الثوري ينفذها وبالتالي من غير المتصور أن تتغير هذه الديناميكيات التي تشكل السياسة الخارجية فيما يتعلق باليمن”.

وعلى عكس حلفاء طهران في لبنان أو العراق الذين يشكلون جزءا من حكوماتهم المعترف بها دوليا والتي لديها تمثيل دبلوماسي يدافع عنهم إقليميا ودوليا، لا أحد يعترف بسلطة الحوثيين دوليا سوى إيران ولذلك هم بحاجة دبلوماسية عبداللهيان النشيطة أكثر من غيرهم وهذا هو التأثير السياسي عليهم في الوقت الراهن وسيتحدد أكثر في هوية من سيخلفه بعد الانتخابات.

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى