صناعة المجاعة والتهرب من المسؤولية.. كيف يبتز الحوثيون وكالات الإغاثة؟!
يمن مونيتور/ وحدة التقارير/ خاص:
الخميس الماضي في صنعاء، اجتمع قادة الحوثيين مع مكتب الأمم المتحدة وتوسلوا لإعادة الأمم المتحدة توزيع المساعدات الغذائية في مناطق سيطرتهم مع تفشي المجاعة.
وبينما كان يحدث ذلك كان الحوثيون ينكرون وجود مجاعة في مناطق سيطرتهم، ويعتبرون تلك شائعات أمريكية وإسرائيلية تريد الانتقاص من هجماتهم في البحر الأحمر دعماً للفلسطينيين الذين يتعرضون لحرب وحشية وجرائم إبادة جماعية من الاحتلال الإسرائيلي المدعوم من الغرب.
وطالب الخميس مسؤول الإغاثة في الجماعة “إبراهيم الحملي”، خلال لقائه مدير مكتب “الأوتشا” في اليمن “ماركوس ويرني”، “إعادة صرف المساعدات بمختلف القطاعات للإسهام في تخفيف المعاناة الإنسانية، والحد من الانزلاق نحو مراحل خطيرة من المعاناة والمجاعة”.
يخشى الحوثيون من يؤدي تفاقم المجاعة في مناطق سيطرتهم إلى إشعال ثورة الناس التي تختمر منذ سنوات بسبب فساد الجماعة وفشلها في إدارة المحافظات الواقعة تحت سيطرتها، لكنهم مع ذلك يستمرون في ابتزاز وكالات الإغاثة الأممية.
اقرأ/ي.. الحوثيون مركز إقليمي جديد لتصدير الثورة الإيرانية… صنعاء بدلاً من طهران وبيروت!
طرد وتحدي
في ديسمبر/كانون الأول الماضي أعلن برنامج الأغذية العالمي في اليمن، إيقاف برنامج مساعداته الغذائية العامة في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، بسبب عدم التوصل الى اتفاق مع السلطات من أجل تنفيذ برنامج أصغر يتناسب مع الموارد المتاحة للأسر الأشد ضعفا واحتياجا.
وحسب مصدر إغاثي مطلع تحدث لـ”يمن مونيتور” هذا الأسبوع فإن الجماعة ما زالت تفاوض برنامج الغذاء العالمي لاستئناف توزيع المساعدات، حيث يريد البرنامج الأممي الوصول لاتفاق على آلية يحرص من خلالها على وصول المساعدات إلى المستحقين بدلاً من مسلحي الجماعة وانصارها. وأدى قرار التعليق إلى وقف المساعدات الغذائية عن نحو 9.5 مليون شخص.
يشير المصدر إلى أن الحوثيين هددوا في ديسمبر وكالات الأمم المتحدة بأن عدم طرد الموظفين من الجنسيات البريطانية والأمريكية فإنهم سيغلقون هذه الوكالات إلى الأبد. لذلك غادر معظم الأجانب حتى الأوروبية إلى مدينة عدن عاصمة اليمن المؤقتة، ومن المتضررين منسق الشؤون الإنسانية المعين حديثاً في اليمن من قبل الأمم المتحدة ، جوليان هارنيس، وهو بريطاني.
منذ عام 2019، يمنع الحوثيون نظامًا بيومتريًا تريد الأمم المتحدة استخدامه لتتبع مسار المساعدات. بدلاً من ذلك، يصرُّ الحوثيون على أن تستخدم الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة الأخرى قائمة حصص وضعتها إدارتهم الخاصة. تعمل هذه القائمة أيضًا كسجل للخدمة العسكرية. تم شطب عائلات تعارض الحوثيين أو لا ترسل أطفالها إلى الجبهة من قائمة الحصص، وفقًا لتقرير للأمم المتحدة صدر العام الماضي.
لم يكتفي الحوثيون بذلك بل أمهلوا في يناير/كانون الثاني موظفي الأمم المتحدة ووكالات الإغاثة الدولية العاملين في صنعاء مهلة 30 يوماً لمغادرة البلاد رداً على الهجمات الأمريكية-البريطانية على مواقع للجماعة التي جاءت كمحاولة لردع الحوثيين عن مهاجمة السفن التجارية في البحر الأحمر.
بقرة حلوب
منذ بدء هجمات الحوثيين في البحر الأحمر أصبح قلة خارج حدود البلاد يلاحظون استهانة الحوثيين بالإنسانية في الداخل. بعد عقد من الحرب، تقدر الأمم المتحدة أن الأزمة الإنسانية في اليمن هي من أسوأ الأزمات في العالم. يحتاج أكثر من نصف سكان اليمن البالغ عددهم 33 مليونًا إلى مساعدات للبقاء على قيد الحياة، والعديد منهم تحت سيطرة الحوثيين في الشمال الغربي. لكن في جميع أنحاء مناطق سيطرتهم، ينشط الحوثيون في إعاقة تدفق المساعدات.
يصرون على أن تستخدم الأمم المتحدة قائمة المستفيدين الخاصة بالحوثيين وأن يسمح الحوثيون بالإشراف على التوزيع. كما منعوا وصول عمال الإغاثة الدوليين. ويفرضون ضرائب على الشحنات، ويبيعون المساعدات، ويفرضون رسوم جمركية على المساعدات في نقاط التفتيش.
تقول مجلة الإيكونوميست: باختصار، يعاملون برنامج المساعدات الذي تبلغ قيمته مليارات الدولارات كبقرة حلوب.
يقول مسؤول سابق في الأمم المتحدة: “كما هو الحال في غزة، فإن خطر المجاعة من صنع الإنسان يتزايد في مناطق الحوثيو”.
وكما الإسرائيليين “يستخدمون المساعدات كسلاح.”
جواسيس للغرب
وقال عمال إغاثة لـ”يمن مونيتور” في منظمات محلية هذا الأسبوع إن الحوثيين يتعاملون معهم كجواسيس للولايات المتحدة وبريطانيا.
ويشير مسؤول منظمة إغاثة محلية تعمل في محافظة حجة يتلقى تمويلاً لمشاريعه من متبرعين في الاتحاد الأوروبي، إلى أنه بعد الهجمات البحرية للحوثيين في البحر الأحمر أصبح العمل أكثر خطورة “أصبحت الاتهامات بكوننا جواسيس لأوروبا والسفن الحربية الأوروبية أكثر صخباً”.
يلفت المسؤول لـ”يمن مونيتور”إلى أن مجلس الإغاثة الذي يقوده “الحملي” أصبح أكثر توحشاً على المساعدات من المنظمات المحلية خارج الأمم المتحدة: كان الحوثيون يغضون الطرف عن بعض الأسماء والمستحقين الذين يتم التوزيع لهم لكن الآن مع توقف برنامج الغذاء وتضرر أنصارهم يفرضون الاسماء ويراقبون بقوة مسلحة توزيعها عليهم وترك المحتاجين.
يشير إلى أن مجلس الإغاثة “سكشما” صعد من ابتزازه ويخرينا بين توزيع المساعدات لأنصار الجماعة أو السجن والتهمة جاهزة “جاسوس لأوروبا”!
وهي تُهمة توصل إلى الإعدام.
الويل لمن يشتكي
يشير عامل إغاثة في صنعاء إلى أنهم يحتاجون إلى تصريح من الحوثيين في أبسط عملية توزيع حتى لو كانت 10 حصص غذائية ويجب ألا تخرج من القائمة التي “يطرحونها علينا”.
ويضيف لـ”يمن مونيتور” سنواجه عقوبات من السجن إلى إغلاق المنظمة.
أما الموظفين الأجانب في المنظامت الدولية يمكن أن يفقدوا تصاريح الدخول أو الخروج. ويقول أحدهم وهو ينتظر العودة إلى صنعاء: “من فضلكم، أفضل عدم الخوض في قضايا وصول المساعدات في الوقت الحالي قد تكون هناك تداعيات.
وتم اعتقال بعض الموظفين المحليين. ثلاثة ممن يعملون في الأمم المتحدة موجودون في السجن. توفي عامل إغاثة في منظمة إنقاذ الطفولة، وهي مؤسسة خيرية مقرها بريطانيا، أثناء احتجازه لدى الحوثيين في أكتوبر/تشرين الأول.
ويقول أحد موظفي الأمم المتحدة السابقين: “لا يوجد أي مكان آخر في العالم تتسامح فيه الأمم المتحدة مع هذا الأمر، لكن 20 مليوناً قد يتضورون جوعاً إذا انسحبنا”.
وقال مسؤول إغاثة في صنعاء لـ”يمن مونيتور” لقاء الحملي مع مدير مكتب الشؤون الانسانية للأمم المتحدة هو ابتزاز آخر “إما أن تعيدوا المساعدات كما نريد أو تتحملوا مسؤولية المجاعة التي تذهب إليها في مناطق سيطرتهم”!
ويشير إلى أن الحوثيين يشعرون منذ نوفمبر/تشرين الثاني الماضي ب”العظمة والفخر”، وأن “الجوع والمجاعة فعل غربي وليس سوء إدارتهم وفسادهم”.
وتحدثت المصادر لـ”يمن مونيتور” في هذا التقرير شريطة عدم الكشف عن هويتها خشية انتقام الحوثيين.