أخبار محليةاخترنا لكمالأخبار الرئيسيةتقارير

تغيّر الديناميكيات جنوب اليمن.. لماذا يخشى “الانتقالي” مجلس حضرموت الوطني؟ (تحليل خاص)

يمن مونيتور/ وحدة التحليل/ خاص:

يبدو المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات، أكثر قلقاً مع إعلان مجلس حضرموت الوطني كحامل سياسي لمطالب وقضايا محافظة حضرموت الغنية بالنفط وأكبر محافظات اليمن من حيث المساحة.

وحذر رئيس هيئة المجلس الانتقالي الجنوبي في حضرموت، سعيد المحمدي، يوم الأربعاء، من خطورة استنساخ وتفريخ مكونات جديدة على ما أسماه “النسيج الاجتماعي الحضرمي”

وقال المحمدي إن “هذا الكيان الذي يروج له لن يستطيع عرقلة المشروع الجنوبي”، في إشارة إلى انفصال جنوب اليمن والعودة إلى وضع قبل 1990م.

فلماذا يخشى المجلس الانتقالي الجنوبي مجلس حضرموت الوطني؟!

كان إشهار مجلس حضرموت الوطني، يوم الثلاثاء، واحداً من أبرز المتغيّرات الجديدة التي تؤثر في ديناميكيات الحل السياسي في اليمن بشكل عام، ومتغيّر سيستمر طويلاً في التأثير على الفاعليين المحليين والإقليميين جنوب اليمن.

ثلاثة أعضاء من مجلس الرئاسي الثمانية من المجلس الانتقالي

وعلى الرغم من أن بروز المجلس الانتقالي الجنوبي منذ 2017 لم يلغي عشرات الحركات والتنظيمات السياسية والمكونات الاجتماعية جنوبي اليمن التي رفضت الانخراط معه، إلا أنه خلال الأعوام الماضية لم يجد مكوناً قادراً على مواجهته بما في ذلك الحكومة المعترف بها دولياً والذي اضطرت للاعتراف به كمكون سياسي ومنحته حصة من الحكومة بعد اتفاق الرياض 2019 عقب سيطرة المجلس على معظم المحافظات الجنوبية بالقوة المسلحة وطرد الحكومة منها؛ ومنذ ذلك الحين يرفض المجلس الانتقالي التراجع وتنفيذ الاتفاق فيما تتعاظم سلطته داخل الحكومة ومؤسسات الدولة الأخرى.

وفشلت ائتلافات جنوبية عديدة في الظهور كحامل لما يعرف بالقضية الجنوبية وسحب البساط من المجلس الانتقالي الجنوبي بما في ذلك: مؤتمر شعب الجنوب الذي يقوده محمد علي أحمد؛ والمؤتمر الشعبي الجنوبي الذي يقوده أحمد الميسري والائتلاف الوطني الجنوبي أحمد العيسي؛ وشخصيات وزانة أخرى مثل الرئيس السابق لليمن الجنوبي علي ناصر. قد يكون الفشل لاعتبارات سياسية أو لعدم وجود حاضنة مجتمعية واسعة، أو بسبب مشكلات لقادته مع التحالف العربي الذي تقوده السعودية.

اقرأ/ي أيضاً.. مجلس حضرموت الوطني.. حدود التمثيل ومكوناته وهيئة رئاسته؟ (تقرير خاص)

عودة اليمن الاتحادي إلى الواجهة

ويظهر مجلس حضرموت الوطني الذي يمثل معظم الكيانات والشخصيات والقبائل الحضرمية كأول كيان يملك عوامل النجاح: حاضنة شعبية، قضية وطنية، ودعم المملكة العربية السعودية التي ترى بأن وجود المجلس الانتقالي الجنوبي على حدودها جنوب شرق اليمن بالإضافة إلى الحوثيين شمال غرب البلاد يعني “حدود جهنم” مع الكثير مع المشكلات الحدودية التي لا تنتهي؛ لذلك منعت قوات المجلس الانتقالي من التقدم باتجاه منفذ الوديعة -على حدود البلدين- مع سيطرة تلك القوات على محافظة شبوة في أغسطس/آب2022 عقب قتال دام مع القوات الحكومية.

ولا يرى المجلس الانتقالي الجنوبي في مجلس حضرموت تمثيلاً للمحافظة؛ إذ يقول رئيس المجلس في حضرموت “المحمدي” أن “الهدف الحقيقي لهذا المشروع هو إضعاف وتفتيت كيانات حضرموت المجتمعية، التي توافق عليها معظم أبناء حضرموت، وكانت تحتاج فقط إلى مراجعة وتصحيح، لتفرد قياداتها بالقرار”.

وعلى العكس مما ذكره “المحمدي” فالمجلس الانتقالي الجنوبي استثمر في عدم وجود كيان جامع في حضرموت يستطيع أن يملك زمام المبادرة لردع محاولات قادة المجلس من خارج المحافظة السيطرة على قرارها. وما يخشاه المجلس الانتقالي الجنوبي هو أن وجود مجلس وطني لحضرموت يعزل المحافظة الاستراتيجية عن المشروع الانفصالي وحُلم استعادة الدولة الجنوبية قبل 1990.

وفيما عودة الدولة الجنوبية حُلم بالنسبة للمجلس الانتقالي فهو كابوس لحضرموت، إذ يخشى الحضارم -بالفعل- من العودة إلى الدولة الجنوبية التي حكمها النظام الماركسي بين (1967 وحتى 1990م). وحسب ما يرى الباحث الأول حول اليمن في مجموعة الأزمات أحمد ناجي فقد نفذ النظام الاشتراكي “المركزية الصارمة للإدارة بجميع أشكالها. حوّل هذا جميع المحافظات إلى أقمار صناعية لمحافظة عدن. كما زادت سياسة تأميم الملكية الفردية- وهو إجراء تم اتخاذه تماشياً مع التوجه الماركسي للنظام- من مشاكل الحضارم وساهم بشكل كبير في هجرة التجار الذين يخشون خسارة ثرواتهم”.

ويشير ناجي حول تلك الفترة: “على الرغم من تعيين حضارم بشكل فردي في المراتب العليا من التسلسل الهرمي للدولة في محاولة لإثبات الشمولية، فإن الجمود الأيديولوجي للنظام عندما يتعلق الأمر بالحكم الاشتراكي والإدارة المركزية جعل من المستحيل لمفاهيم اللامركزية والاستقلالية أن تكتسب زخمًا”. كما أن نظام الحكم استخدم حضرموت لاستهداف السعودية ودعم التمردات في “ظفار” العمانية.

لذلك لا يريد الحضارم العودة لتلك الفترة السيئة. وكان لقيام الوحدة اليمنية انفراجه كبيرة لحضرموت على الرغم من أن المركزية انتقلت إلى صنعاء. لكن تغيّر النظام والسوق الحر، وقدرة معظم المسؤولين والقادة الحضارم على قيادة ضغوط على صنعاء لوقف القرارات التي تتعارض مع منطقتهم يعتبرون نظام الوحدة أفضل من النظام الذي سبقه. ومنذ ذلك الحين يسعى الحضارم للحصول على الحكم الذاتي، ويعتبرون وجود حضرموت ضمن اليمن الكبير مع احتفاظهم بهويتهم والحكم الذاتي خاصة في ظل دولة اتحادية معالجة للمشكلات التي عانوا منها.

اقرأ/ي أيضاً.. ظهور حضرموت كمركز: التقاء الظروف اليمنية ودهاء الحضارم

فشلت ائتلافات جنوبية عديدة في الظهور كحامل لما يعرف بالقضية الجنوبية وسحب البساط من المجلس الانتقالي الجنوبي

مخاوف العدوى للمحافظات المجاورة

ولم يكن الحضارم الجنوبيين اليمنيين الساخطين الوحيدين على النظام الاشتراكي ويخشون العودة إلى تلك الحقبة بل محافظات شبوة والمهرة وسقطرى وهي محافظات استراتيجية وغنية.

 ويهدد وجود نموذج ناجح لمجلس حضرموت الوطني في انتقال العدوى للمحافظات الجنوبية والشرقية الأخرى، ما يعني تعارضها ومشروع الانفصال الذي يقوده المجلس الانتقالي الجنوبي.

كما يخشى المجلس الانتقالي تعاون وتنسيق متعدد الأطراف بين هذه المحافظات، والذي سيقوض بالتأكيد نشاطات المجلس الانتقالي ويحجم الصورة المتخيلة خارجياً لشعبيته.

ودعا عبدالله العليمي عضو مجلس القيادة الرئاسي خلال لقاء يوم الأربعاء مع المشاركين في المشاورات التي انتجت مجلس حضرموت الوطني: إلى انفتاح حضرموت وقيادتها وأبناءها على اخوانهم في المحافظات المجاورة شبوة والمهرة وسقطرى، والمضي معا لإيجاد صيغ تنسيق وتعاون وتكامل.

اقرأ/ي أيضاً.. أهداف وخبايا.. لماذا يجتهد المجلس الانتقالي لإعلان فشل الحكومة اليمنية؟ (تحليل خاص)

يُشار لـ "عيدروس الزُبيدي" (رئيس الانتقالي وعضو مجلس القيادة) بصفته رئيس الرئيس.
يُشار لـ “عيدروس الزُبيدي” (رئيس الانتقالي وعضو مجلس القيادة) بصفته رئيس الرئيس.

تقويض مناورات المجلس الانتقالي

كما أن إعلان مجلس وطني في حضرموت يضم معظم المكونات السياسية والاجتماعية، يؤثر بشكل فعال في الصورة التي يحاول المجلس الانتقالي تعزيزها خارج البلاد بصفته ممثلاً وحيداً للمحافظات الجنوبية.

ومنذ أسابيع تنتشر دعاية المجلس الانتقالي في واشنطن عبر مقالات وتواصل مع أعضاء في الكونغرس الأمريكي لفكرة دولة مستقلة جنوبي اليمن، عاصمتها عدن، ليكون ذلك حلاً لإنهاء حرب اليمن، بالتوازي مع محادثات السلام الجارية. حيث وقع المجلس الانتقالي اتفاقًا، في 1 مايو/أيار، بقيمة 1.2 مليون دولار لمدة عام واحد مع شركة “هايبرفوكال”، التابعة لشركة “سترايف” للاستخبارات والتمثيل الدبلوماسي، ومقرها تكساس.

كما يقوض نجاح مجلس حضرموت الوطني سلطة المجلس الانتقالي في الحكومة بوجود طرف آخر جنوبي يملك حقاً في المشاركة؛ وهو أمر يؤثر بالفعل على عدة نواحي: الأول، تمثيل حضرموت والمهرة في مجلس القيادة الرئاسي حيث يمثلها فرج سالمين البحسني محافظ حضرموت السابق الذي جرى إعلانه في مايو نائباً لرئيس المجلس الانتقالي الجنوبي ويرفض الاعتراف بمجلس حضرموت الوطني الذي بالاعتراف بتمثيله لمحافظة حضرموت من قِبل رئيس مجلس القيادة الرئاسي والحكومة والدعم المحلي والدولي يبقى دون تأثير.

الثاني، صدر عن المتشاورين الحضارم “الوثيقة السياسية والحقوقية الحضرمية” يخرجون بذلك عن “الميثاق الجنوبي” الذي أُعلن في مايو عقب مشاورات عدن؛ وكان المجلس الانتقالي يعتبر الميثاق دستوراً يمكنه مستقبلاً من مواجهة الأشخاص المخالفين له بعقوبة “الخيانة الوطنية”. إذ بموجب الميثاق يحتكر “الانتقالي” حق تفسير “إرادة الشعب الجنوبي”، كما يؤكد هذا الميثاق إلى أن مهمة اليمنيين الجنوبيين “هي تحقيق استعادة الدولة الجنوبية التي كانت قائمة بين 1967-1990م”.

وبمرور الوقت كان المجلس الانتقالي سيستخدم هذا الميثاق لاستهداف الكيانات التي ترى في الحكم الذاتي أو الفيدرالية ضمن دولة اليمن خياراً مناسباً. يكسر مجلس حضرموت هذا الميثاق قبل أن يصبح ثابتاً؛ ويشجع نجاحه المحافظات الأخرى على الحذو حذوه.

 الثالث، يمنح الحكومة والمجلس الرئاسي المزيد من المناورة ضد المجلس الانتقالي الذي يصر منذ ابريل/نيسان2022 على تنفيذ كل طلباته من التعيينات إلى السيطرة على القرار السيادي اليمني والتأثير على رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي، إذ أصبح يُشار لـ “عيدروس الزُبيدي” (رئيس الانتقالي وعضو مجلس القيادة) بصفته رئيس الرئيس. كان دائماً ما يهدد بوقف تصدير الحكومة للنفط من سيئون في حال رفضت مطالبه.

كما يعزز مناورة الحكومة وتماسكها، إذ يمكن لمجلس حضرموت الوطني أن يقضي على مطالبات المجلس الانتقالي الجنوبي بأن يكون هناك وفد منفصل لجنوب اليمن في مفاوضات الحل السياسي بين الحكومة وجماعة الحوثي المسلحة، إذ يريد احتكار تمثيله وطرح “الانفصال” وعودة الدولة الجنوبية كضرورة لإنهاء الحرب وبدونه تفشل أي مفاوضات. أو يرغب باستخدام الوفد الحكومي المفاوض كغطاء لفرض هذا الخيار على اليمنيين، بالسيطرة على تعيين الوفد من أعضائه.

إن وجود مكون سياسي جديد في المحافظات الجنوبية يكسر دعاية المجلس الانتقالي بتمثيله المحافظات الجنوبية أو “القضية الجنوبية” في مشاورات السلام. وتشير الوثيقة إلى أن من مهام مجلس حضرموت “البدء باتصالاته مع مستويات السلطة المركزية والمحلية في كل ما يتعلق بمشاورات الحل النهائي في اليمن”.

الرابع، على الرغم من فشل المجلس الانتقالي في الحصول على غطاء شعبي يمكنه من اجتياح وادي حضرموت والسيطرة على حقول النفط، إلا أنه كان يؤكد مراراً أنه يملك حضوراً في مديريات الوادي. وجود مجلس حضرموت ينهي تلك الدعايات التي كان يتحدث عنها، كما أنه يقضي على تبريرات وجود نفوذ له في مديريات الساحل. ما يشير إلى إمكانية أن يُخرج المجلس الجديد -في حال نجاحه- المجلس الانتقالي من حضرموت.

كما تؤكد الوثيقة على واحدية الساحل والوادي. وهو تقسيم مناطقي اعتاد المجلس الانتقالي الجنوبي على استخدامه من أجل الانفراد بالساحل، يدفع مجلس حضرموت الوطني بتمثيله الواسع على واحدية الجغرافيا.

كما يؤثر ذلك بالفعل على مطالباته بخروج المنطقة العسكرية الأولى من وادي حضرموت، حيث تشير الوثيقة السياسية والحقوقية إلى: “منع إنشاء أي تشكيلات عسكرية خارج مؤسسات الدولة”. ما يؤكد دعم المكونات المحلية للمنطقة العسكرية الأولى التابعة للجيش اليمني.

ويؤثر بشكل رئيس على التشكيلات شبه العسكرية التابعة للجلس الانتقالي الجنوبي بما في ذلك القادمة من خارج المحافظة مثل الحزام الأمني التي حاولت مراراً السيطرة على مديريات وادي حضرموت الغنية بالنفط.

اقرأ/ي أيضاً.. لماذا فشل التقارب السعودي-الإيراني في إنهاء حرب اليمن؟! مركز أمريكي يجيب

يعاني البحسني في عضويته لمجلس الرئاسة

تحديات تواجه مجلس حضرموت

يمثل التحدي الرئيس للمجلس في العودة سريعاً إلى حضرموت، وبدء تحريك المجتمع للتوافق معه ودعمه؛ بما يشمل التواصل مع الحضارم المهاجرين الموجودين خارج البلاد إذ أنهم يمتلكون ثقلاً كبيراً للغاية في وجهة المحافظة وسياستها.

وحسب مصدر في المشاورات تحدث لـ”يمن مونيتور” فقد تقرر عودة جميع الذين شاركوا في انجاز مجلس حضرموت يومي الخميس والجمعة بما في ذلك الهيئة التحضيرية.

كما أن التحدي الثاني في بقاء المجلس متماسكاً دون خلافات. يتكون مجلس حضرموت من عدة تكوينات سياسية وقبلية، تقديم مصلحة المحافظة والحفاظ على الأطر الرئيسية والعمل تحتها ضروري لبقائه متماسكاً.

التحدي الثالث، في الحصول على دعم سياسي من معظم اليمنيين الجنوبيين، إضافة إلى دعم من المجلس الرئاسي والحكومة اليمنية بجانب دعم إقليمي ودولي ليكون قادراً على تنفيذ مهامه بسرعة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى